السبت 9 نوفمبر 2019 / 20:06

ضريبة الخلود

تنبأ أليكس كاريل في بداية القرن العشرين بما سيحل بالناس في هذا العصر، فقد توقع هبوطاً حاداً لمعدل الوفيات الناجمة عن الأمراض المعدية، لكن لا مفر من الموت، فالسنوات التي قضياناها في القضاء على الدفتريا والجدري والحمى التيفودية، تحولت إلى سنوات من الآلام والمآسي طويلة الأجل، وصار الإنسان أكثر عرضة للإصابة بالأمراض الانتكاسية والمزمنة مثل السرطان والقلب والشرايين والزهايمر، هذه الأمراض التي جعلتنا نحدق إلى الموت الذي يحلق فوق رؤوسنا لفترة أطول.

صحيح أن الإنسان مُعرض الآن -كما كان معرضاً من قبل- لالتهابات الكلى والزهري ونزيف الدماغ الخ الخ، إلا أنه اليوم أكثر عُرضة للقلق والانفعالات المستمرة والإرهاق الوظيفي، وما يصاحبها من إفراط في تناول الطعام وإحجام عن ممارسة النشاط البدني وانتكاسات عضوية ونفسية مُرهقة ومُتعبة.

صحيح أن علم الطب الحديث جعل حياة الإنسان أكثر أمناً ورخاء وأملاً، إلا أن هذا الإنسان صار أكثر عُرضة للمواد السامة التي حاصرتنا في أطعمتنا وأشربتنا وهوائنا، فالدخان في القرن التاسع عشر لم يكن ليملك الوقت الكافي للفتك بالناس بنفس سرعة الأمراض المعدية، أما اليوم، فهذه السموم تمتلك الوقت الكافي لتفعل فعلتها -على نار هادئة- في إنسان يروح ويطوف حولها لعشرات السنين.

في 1997، اكتشف العلماء جين "كلوثو" الذي عُلقت عليه آمال إطالة عمر الإنسان، استمد هذا الجين اسمه من ميثولوجيا يونانية تعتبر "كلوثو" آلهة القدر التي تنسج خيوط الحياة للإنسان. لاحظ الباحثون ارتباط نقص مركب كلوثو في جسم الإنسان مع ارتفاع معدلات الفوسفات في الجسم لاسيما عند مرضى الكلى. افترض العلماء أن انخفاض معدل كلوثو قد يكون مرتبطاً بأمراض تصلب الشرايين، مما دفعهم للبحث في عوامل تحفيز معدلات مادة الخلود التي تمنع حدوث ضرر في القلب، وبالتالي تطيل عمر الإنسان.

كل إطالة زمنية لعمر الإنسان هي إنجاز طبي مذهل، لكن هل سيكون الإنسان بذلك أسعد؟ أم سيكون في ذلك للبؤس أقرب؟ الطب لا يقدم السعادة للإنسان، لكنه يقدم مفاتيح لأبوابها، وعلى الإنسان الاختيار بين أن يجْهد من أجل بلوغ تلك الأبواب، أو يستمر في تقليب مفاتيحها في جيبه الأيسر وهو لا يدري ما يصنع بها.. السعادة -في أحيان كثيرة- هي اختيار شخصي.