لوحة الموناليزا لليوناردو دافينتشي.(أرشيف)
لوحة الموناليزا لليوناردو دافينتشي.(أرشيف)
السبت 11 يناير 2020 / 20:40

الصورة تكذب

لا تصدق كل ما تراه في الصورة، فأحياناً لا تعدو الصورة كونها لحظة نفاق في حياة إنسان تعيس، وفي أحيانٍ أخرى قد تكون لحظة حقيقة في حياة إنسان سعيد

تساءلت وأنا أشاهد اللوحات القديمة في متاحف أوروبا عن سبب عبوس وتجهم أصحابها، ففي ما عدا الابتسامات الخجولة في لوحة "الموناليزا" لدافنشي ولوحة "إيزابيلا برانت" لغويا، يندر أن ترى لوحة باسمة كما هي لوحات اليوم، فكنت أتساءل إذا كان السبب هو بشاعة ابتساماتهم بسبب تسوس أسنانهم الأمامية مع قلة أطباء الأسنان، أو مخالفة الابتسامة للذوق العام في أيامهم؟

وجدت الإجابة في كتاب (الكل يكذب) ل "سيث ستيفنز". فقد نقل أن العلماء لاحظوا أن الصور الأولى للشعب الأمريكي -في بداية القرن العشرين- كانت هي الأخرى عابسة، وكلما تقدم الزمن صارت صور الناس أكثر إشراقاً وابتساماً وكأنهم صاروا أكثر سعادة وحيوية.

عند اختراع التصوير لأول مرة، كان الناس يرون الصور الفوتوغرافية بمثابة لوحات فنية، ولم يكن هناك شيء آخر لتقارن به سوى تلك اللوحات المرسومة باليد في العقود السابقة للكاميرا، لذلك تقمص الناس في صورهم صور الأشخاص الذين سبق أن رأوهم في اللوحات، والذين كانوا لا يبتسمون بسبب جلوسهم لساعات طويلة أمام الرسامين، فكانت ملامحهم أكثر جدية وأقرب للضجر والملل منها للحماس والفرح.

شعرت شركة "كوداك" التي تعمل في مجال صناعة الكاميرات بالإحباط جراء قلة الصور التي يلتقطها الناس، فوضعت استراتيجية جديدة تشجع الناس على تصوير أنفسهم في أوقات الفرح، كانت دعايات الشركة تهدف إلى إيجاد علاقة بين التصوير والسعادة، فكانت النتيجة وجوهاً باسمة تتقمص السعادة.

لا تصدق كل ما تراه في الصورة، فأحياناً لا تعدو الصورة كونها لحظة نفاق في حياة إنسان تعيس، وفي أحيانٍ أخرى قد تكون لحظة حقيقة في حياة إنسان سعيد، فاصنع لحظتك بدون أن تنتظر من الكاميرا أن تصنعها لك، فالصورة قد تعكس شيئاً من الحقيقة لكنها لا تستطيع صناعتها، فلا تغرك اللحظات الحميمية بين "كبلز" وسائل التواصل الاجتماعي، ولا تغرك المقالب المصطنعة ولا الثواني المُزيفة، فمن لم يصنع سعادته بيديه لن تصنعه له أيادي الآخرين.