غلاف كتاب "غيّب فازداد حضوراً" (أرشيف)
غلاف كتاب "غيّب فازداد حضوراً" (أرشيف)
الثلاثاء 21 يناير 2020 / 20:38

تراجيديا البحث عن حنا ميخائيل

تشير حلو إلى ركوبه ورفاقه البحر من بيروت إلى طرابلس على متن قارب مطاطي واحد بدلاً من قاربين كان من المفترض تخصيصهما للرحلة

تراوح رواية الفلسطينية جيهان حلو لرحلة بحثها عن زوجها حنا ميخائيل المختفي منذ سنوات الحرب الاهلية اللبنانية بين "تراجيديا" و"كوميديا سوداء" تستحق الصعود إلى خشبة المسرح ليرى المشاهد العربي في القرن الواحد والعشرين بعض المآسي التي أخفتها سبعينيات القرن الفائت.

يتقاسم النظام السوري وقيادة حركة فتح أدوار البطولة في ذلك الفصل من كتاب "غيب فازداد حضوراً" الذي صدر في عمان مؤخراً فيما يمثل ظل الأستاذ الجامعي الذي ترك فضاءه الأكاديمي في الولايات المتحدة ليلتحق بالمقاومة الفلسطينية عالماً من القيم المغدورة.

في استعراضها لظروف وملابسات اختفاء ميخائيل تشير حلو إلى ركوبه ورفاقه البحر من بيروت إلى طرابلس على متن قارب مطاطي واحد بدلاً من قاربين كان من المفترض تخصيصهما للرحلة التي تمر من منطقة تواجد الخصم الكتائبي.

يضفي انتشار خبر المهمة التي كانت موكلة لميخائيل ورفاقه واستخدام أبو هاجم ـ الذي كان مسؤولاً عن طرابلس ـ برقيات غير مشفرة في الرد على البرقيات المشفرة وتزويد المجموعة بجهاز اتصال لا يعمل والتسريبات المتعلقة بمحاولة البحار تسليم حمولته للكتائب عنصر تشويق إضافي على غموض الاختفاء الذي أحدث دوياً في ذلك الزمن وما زالت أسئلته مفتوحة على المجهول.

تعامل قيادة فتح مع حدث الاختفاء كان أكثر ريبة من ملابساته حيث شكل ياسر عرفات لجنة للبحث عن ركاب القارب لكنها لم تجتمع وتهرب من إصدار بيان يعلن فيه عن استشهاد افراد المجموعة كما تجاهل المؤتمر العام الرابع للحركة اقتراحاً لعضو مركزيتها ماجد أبو شرار بانتخاب الغائب ميخائيل عضواً في المجلس الثوري.

يلح الجانب المتعلق بالنظام السوري في الرواية على استدعاء ضرورات إعادة البحث في نظرة نظم العالم الثالث لقيمة الإنسان وإدارة الدول من منظار بوليسي لا يراعي الجوانب الإنسانية.

تتوقف حلو في روايتها عند مراوغة الرئيس السابق حافظ الأسد حين التقته لطلب الإفراج عن زوجها وتورد تفاصيل أكاذيب وخدع الأجهزة الأمنية السورية التي لا تبدأ بانكار المعتقل بعد تحويله إلى رقم ولا تنتهي بخوف السجان من مصير السجين لينتهي المطاف بهذه السلوكيات إلى سياق شر البلية الأكثر إثارة للضحك.

الانحياز للممارسة البوليسية والكيدية وتجاهل مناشدات مثقفين مثل إقبال أحمد ونعوم شومسكي وإدوارد سعيد وشيلا ريان للإفراج عن صاحب كتاب "السياسة والوحي: الماوردي وما بعده" دلالة أخرى وشاهد آخر على نظرة النظام السوري للتفكير الخارج عن سياقاته ومدى احترامه للدور المفترض أن يلعبه المثقف العربي في توليد اجابات غير تقليدية وصناعة المستقبل.

ما لم تقله حلو بشكل مباشر أن غياب ميخائيل كان تجسيداً لقوة فعل التدمير الذاتي التي مرت بها الحياة السياسية الفلسطينية والسورية واللبنانية خلال عقد السبعينات وعدم قدرة الواقع العربي على التعايش مع الاختلاف ومحاولات إيجاد بنية حقيقية تمكنه من المواجهة والمراكمة والتعافي من أمراضه المزمنة.

تذيب رواية ملابسات وتداعيات اختفاء حنا ميخائيل صورة الغائب التي شكلتها حادثة القارب لتتكرس أسطورة الأكاديمي الذي تموضع في تفاصيل الظاهرة على أمل ضبط تخبطها ووقف انحدارها وتفتح كوة أخرى في جدار وعي زائف يعيق فهم الذات الحائرة وقد تكون فاتحة لرواية ما لم يرو بعد من خفايا ذلك الزمن .