الأحد 26 يناير 2020 / 15:15

مقتل سليماني يعقّد خلافة خامنئي

في أعقاب مقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، يلفت مهدي خلاجي، زميل بارز لدى "معهد واشنطن" للأبحاث، إلى أن الأنظار تركزت على العمليات التي نذفتها الذراع الخارجية للحرس الثوري. ولكن تلك القوة لعبت أيضاً دوراً كبيراً في الداخل الإيراني، وهو دور يبدو مستقبله غامضاً لأن سليماني نفسه كان بمثابة شخصية موحدة وراسخة وخصوصاً في مواجهة تحد يتمثل في اختيار خلفٍ للمرشد الأعلى علي خامنئي.

إن كان خامنئي سيغيب قريباً عن المشهد السياسي، عندها لن يكون للنخبة المنقسمة للغاية على بعضها البعض، سلطة محورية بشأن كيفية بناء أساس جديد للوحدة الداخلية والشرعية المحلية

وبنظر المرشد الأعلى، كان سليماني مثالاً للقائد العسكري مهنياً وسياسياً. ولم يحظ أي قائد رفيع آخر بثقة خامنئي- حقيقة كانت جلية من خلال المعاملة التفضيلية التي منحت له.

وعلى سبيل المثال، عندما تولى خامنئي السلطة في عام 1989، طبق سياسة جديدة في تحديد مدة خدمة مناصب عسكرية وسياسية، منها قائد الحرس الثوري الإسلامي، بحيث لا تتعدى عشر سنوات. ولم يكن خامنئي نفسه خلفاً طبيعياً لروح الله الخميني، وافتقر للكاريزما والمؤهلات الدينية الأساسية للزعيم، ولذا وجد في إعادة تشكيل القيادة العسكرية، بين الحين والآخر، وسيلة بديلة لإرساء سلطته وتعزيزها. وحتى هذا اليوم، عندما أوشك عهده على نهايته، ما زال تدوير كبار ضباط وأصحاب الرتب الأدنى يساعده في منع قادة الجيش من تشكيل دوائر سلطاتهم وتحالفاتهم.، ولكن كان سليماني استثناءً لهذه القيود الزمنية، لأنه كان، جزئياً، من ضمن مجموعة صغيرة من قادة الحرس الذين كانوا مقربين من خامنئي، وليس من منافسيه خلال المرحلة الانتقالية من عهد الخميني. وعين الجنرال قائداً لفيلق القدس في عام 1997، وظل في منصبه لحين مقتله، بعد أكثر من عشرين عاماً.

مكانة خاصة

وحسب كاتب المقال، لم يصل سليماني إلى تلك المكانة الخاصة بسبب ولائه المبكر وإنجازاته العسكرية اللاحقة. بل على خلاف معظم ضباط الحرس، نأى بنفسه عن الانخراط في أنشطة اقتصادية وسياسية، وعاش حياة شخصية عادية. وقد جعلته تلك الصفات محبوباً من خامنئي، الذي غالباً ما أشار إليه وإلى فيلق القدس إلى أنهما دليل على أن استراتيجية " المقاومة" نجحت بصورة أفضل عن نهج ديبلوماسي فضله رؤساء إيرانيون.

وكان سليماني فريداً في تطبيقه تلك السياسة دون الإدلاء بتصريحات عامة دعماً لسياسات متشددة، أو ضد مسؤولين منشقين، وحتى أثناء دورات انتخابية حامية. ولم يكن ممكناً اختراق سليماني من قبل مراكز قوة مؤثرة، بل تلقى الأوامر مباشرة من المرشد الأعلى، ولم يبال بما أراده رؤساء الجمهورية الإسلامية، أو مسؤولون آخرون.

شبه مقدس
إلى ذلك، ساعدت البروباغاندا الرسمية وتغطيات الصحافة الغربية، في جعل سليماني يبدو كبطل بنظر شريحة واسعة من المجتمع الإيراني، رغم أنه لم يطرح نفسه كشخصية قومية، بل قدم نفسه كجندي في خدمة الإسلام والنظام. ومن هذا المنطلق، أصبح سليماني كرجل شبه مقدس عقائدياً مثل خامنئي ذاته. لم يكن يُسمح بانتقاد شخصه أو دوره علناً، ومالت نخب النظام للتحدث عنه باحترام بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية. وبنظرهم، حاز سليماني على صفات ضرورية من أجل تسهيل صناعة القرار وبناء توافق في وقت الأزمات – شخصية لا مثيل لها ذات سلطة وحكمة مقبولة بلا شك من قبل نظرائه العسكريين والنخبة السياسية، ومن قبل قسم كبير من الشعب الإيراني.

قرار حقيقي

إلى ذلك، يلفت الكاتب إلى أن مجلس الخبراء في إيران المكلف دستورياً باختيار خلف للمرشد الأعلى، يضم 88 من آيات الله، ولكن من المعروف عن هذه المؤسسة اعتمادها على لاعبين خارجيين، وخاصة الحرس الثوري. وينتخب عادة أعضاء هذا المجلس بدعم وتمويل مباشر من أفراد من الحرس. وعلاوة عليه تعتبر ارتباطاتهم بالجهاز الأمني العسكري أقوى بكثير من جذورهم في المؤسسة الدينية. ونتيجة لذلك، سوف يتخذ القرار الحقيقي بشأن خليفة خامنئي خارج إطار مجلس الخبراء.

في هذ الإطار، يعتقد الكاتب أن مقتل سليماني يجعل هذا الوضع إشكالياً أكثر، لأن خامنئي عمل، باطراد طيلة سنين، على إعطاء الأولوية لعبادة الشخص على الولاء لعقيدة النظام. وإن كان خامنئي سيغيب قريباً عن المشهد السياسي، عندها لن يكون للنخبة المنقسمة للغاية على بعضها البعض، سلطة محورية بشأن كيفية بناء أساس جديد للوحدة الداخلية والشرعية المحلية، ما يشكل خطراً وجودياً على النظام ككل.

صمامات أمان

ويبدي الكاتب اقتناعاً بأن خطر تركز تلك السلطة المفرطة في يدي خامنئي أمر واضح، لذا ماذا سيجري عندما يرحل؟ فقد مثَّل سليماني بديلاً لا منافس له، شخصاً يرجح أنه لطالما طمأن خامنئي إلى أن النظام قادر على الصمود عندما تحين ساعة انتقال السلطة. وحتى الأنظمة الاستبدادية تستفيد من صمامات أمان كهؤلاء الأشخاص القادرين على تقديم الإرشاد في أوقات الشدة. ولهذا تبدو اليوم مسألة خلافة خامنئي أكثر مدعاة لخوف طهران، وأقل تأكيداً لمستقبل النظام.