لوم الغير (تعبيرية)
لوم الغير (تعبيرية)
الثلاثاء 28 يناير 2020 / 19:47

عملية الإسقاط

اطلعت على دراسة نرويجية تقول إن معدل الطلاق بين الأزواج الذين خسروا أحد أطفالهم أكثر من الأزواج الذين لم يخسروا أحداً من أطفالهم.

يدفع الخوف والشعور بالذنب الإنسان إلى إيجاد مبرر لإلقاء اللائمة، فيتم لوم الناس والأماكن والطعام والطقس والحظ والأجانب والخصوم السياسيين

مرت علي قصة زوجة عاشت مع زوجها عشرين عاماً في حياة سعيدة، لكن بمجرد وفاة ابنها بسبب سرطان الدم، دخلت في حالة حزن واكتئاب شديدين، وكرهت زوجها، وأبناءها ومجتمعها، حتى صارت هي نفسها مصدر خطر على الآخرين، فهذه الزوجة المنكوبة استخدمت أشد الحيل النفسية خطورة، وهي الإسقاط Projection، إسقاط مشاعر السخط على من حولها بسبب خسارة فادحة، ما تسبب لها في خسائر أخرى أشد فداحة وضرراً.

إن الشعور بالذنب، يُعيد تدوير الحنق ويزوده بالوقود ليبقى ويتمدد. يستطيع الإنسان أن يخلق في عقله حدثاً يُنفس به عن نفسه كما يقول ديفيد هاوكنز في كتاب "السماح بالرحيل"، فالخائف يرى نفسه دائماً محاطاً بتجارب مرعبة، والغاضب يرى نفسه دائماً محاطاً بظروف مثيرة للغضب، والمتعجرف يرى نفسه دائماً محاطاً بالإهانات، والحزين يرى نفسه دائماً محاطاً بكل ما يثير الحزن، والواقع أن هناك عقلاً باطناً يذود عن نفسه بخلق قناة لتنفيس المشاعر، مهمة هذه القناة تصريف اللوم، وصرفه عن الذات، فالمُلام دائماً هو الخارج الذي أرعب، وأغضب، وأحزن، وليس "الذات" التي سمحت للظروف والأحداث بأن تؤلمها وتجرحها، وتجعلها رحماً خصباً لتوليد المشاكل والمعضلات.

يدفع الخوف والشعور بالذنب الإنسان إلى إيجاد مبرر لإلقاء اللائمة، فيُلام الناس، والأماكن، والطعام، والطقس، والحظ، والأجانب، والخصوم السياسيين، وقد ترى ذلك يُترجم في تصرفات الشخص في صور متعددة، تشمل هوس العظمة، وعدم التسامح، وعدم الاكتراث بمشاعر الآخرين.

عندما تشعر بأن شخصاً ما يتخذ ضدك موقفاً هجومياً بشكل متكرر، تأمل حاله في دقيقتين، وستجد أنه في باطنه يختزن طاقة كبيرة من "الإسقاط"، تحركه عقد قديمة، وعقد متجددة، إن لم تستطع حل هذه العُقد، عقدة عقدة، فاتركه يحارب طواحينه بمفرده، وقد يأتي يوم يعود فيه إلى رشده، ليكتشف أن معاركه لم تكن يوماً مع الناس، بل كانت مع ذاته.