شارع وادي عارة في منطقة المثلث.(أرشيف)
شارع وادي عارة في منطقة المثلث.(أرشيف)
الثلاثاء 4 فبراير 2020 / 21:16

الصفقة المحطة

تتضمن بنود الصفقة محاولات للالتفاف على الأمر الواقع الفلسطيني والتجاوب مع آليات التفكير الإسرائيلي من خلال إعادة قرى المثلث ذات الكثافة السكانية الفلسطينية العالية وإلحاق النقب بقطاع غزة والإبقاء على فلسطينية الفلسطينيين في جيوب الضف

تفتح استعادة التقاطة المفكر الفلسطيني الياس شوفاني لـ"التسويات المرحلية" التي تلجأ إليها إسرائيل بين حين وآخر هامشاً لتفسير السياقات التي جاء فيها الإعلان عن "صفقة القرن" وقد تساعد على الاجتهاد في استشراف المآلات التي يمكن أن تنتهي إليها.

تستند الفكرة التي تضمنها كتاب شوفاني "التسوية ـ المحطة" الصادر في العام 1983 إلى أزمة مستعصية في إسرائيل تبقيها عاجزة عن التوصل إلى تسويات نهائية مع خصومها في ظل التوازنات والتجاذبات الداخلية السابقة لاكتمال المشروع الصهيوني وتعقيدات العلاقة مع المركز الإمبريالي.

المؤشرات الراهنة للحياة السياسية الإسرائيلية تكرس حضور القناعة بديمومة أزمة المشروع الصهيوني وتلتقي عند إخفاقه في استكمال البناء الذاتي المتمثل في تكامل الأرض ووحدانية الشعب إلى الحد الذي يتيح الحل المنشود للمسألة اليهودية في فلسطين مما يدفع أصحابه للمراهنة على الزمن والمتغيرات الدولية والإقليمية وتجنب المخارج التي تتطلب اتخاذ قرارات نهائية حاسمة وتقديم تنازلات تمس ركائز المخيلة الصهيونية.

رغم الحديث عن إجحافها بحق الفلسطينيين والعرب واستجابتها للحلم الصهيوني لم تقدم "صفقة القرن" أرضاً متكاملة للإسرائيليين مع اقتراح وجود الدولة الفلسطينية المسخ وتشوهات الحلول المطروحة لأزمة الديموغرافيا التي تهدد الكيان وهويته المشتهاة مما يتيح الحديث عن احتمالات فشل إسرائيلي في تكوين إجماع على قبول الكيان المنقوص باعتباره صيغة لحل نهائي.

تتضمن بنود الصفقة محاولات للالتفاف على الأمر الواقع الفلسطيني والتجاوب مع آليات التفكير الإسرائيلي من خلال إعادة قرى المثلث ذات الكثافة السكانية الفلسطينية العالية وإلحاق النقب بقطاع غزة والإبقاء على فلسطينية الفلسطينيين في جيوب الضفة الخاضعة لإسرائيل والإشارة إلى يهودية الدولة وإلغاء حق اللاجئين في العودة لكن هذه البنود لا تنهي إمكانيات الزيادة الطبيعية للوجود الفلسطيني في فلسطين التاريخية.

لا يخلو الأمر من دلالات لاحقة ففي بورصة الخرائط التي تلت الاعلان عن صفقة القرن تداول مستوطنون خارطة يظهر فيها الأردن وفلسطين ضمن حدود إسرائيلية خالية من العرب.

تضيف مهلة السنوات الاربع الملتبسة الواردة في الصفقة ما يكفي من الشكوك والريبة في احتمالات استغلال الجانب الإسرائيلي الوضع القائم لإحداث متغيرات ديموغرافية تفوق في خطورتها أنشطة تهويد الأرض واستيطانها خلال وبعد الفترة الانتقالية التي نص عليها اتفاق أوسلو.

قدوم صفقة القرن على أنقاض اتفاق أوسلو الذي أوجد كياناً خدمياً فلسطينياً للاحتلال ومساسها بأعصاب عارية في علاقة الأردن مع إسرائيل مثل قضايا اللاجئين والقدس والحدود يكرس مفهوم "التسوية ـ المحطة" الذي سبق أوسلو ووادي عربة بما يزيد عن العقد.

يكاد المشهد أن يكتمل مع شروحات وتنظيرات شوفاني للعلاقة بين المركز الامبريالي والمشروع الصهيوني حيث يضع المأزق الداخلي الإسرائيلي صفقة القرن ـ التائهة بين التسوية والمقترح وفرض الأمر الواقع ـ في سياق التدخل الأمريكي لإخراج اسرائيل من أزمتها الداخلية وتأكيد حضورها في الاستراتيجية الأمريكية.

بذلك تتجاوز الخطة الأمريكية المكونة من ثمانين صفحة والتي تم وضع خطوطها العريضة قبل تفاقم الأزمات السياسية في واشنطن وتل أبيب محاولة إنقاذ دونالد ترامب وبنيامين نتانياهو كما توهم البعض ويصعب التعامل معها باعتبارها املاءات إسرائيلية على البيت الابيض كما يرى المسكونون بفكرة سيطرة إسرائيل على القرار الأمريكي.

تمنح صفقة القرن الحكومة الإسرائيلية قوة دفع إضافية لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية وتقزيم الحضور السياسي لفلسطينيي الخط الأخضر ومصادرة الأراضي وتوسيع الرقعة الاستيطانية لكنها لا تلبي الشروط الاسرائيلية للحل الدائم مما يبقيها محطة أخرى لإكمال بناء الكيان وليست الأخيرة على الطريق الذي بدأ مع توقيع السادات وبيغن اتفاق كامب ديفيد ومر باتفاق أوسلو ومعاهدة وادي عربة .