علم الإمارات.(أرشيف)
علم الإمارات.(أرشيف)
الثلاثاء 4 فبراير 2020 / 21:05

هنا … مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية

أغبِطُ دولة الإمارات الجميلة وأنتظرُ اليوم الذي أرى فيه مصرَ مثلها من حيث احترام حقوق الإنسان، مهما اختلف معتقدُه وجنسُه وطبقته الاجتماعية.

 أكتبُ لكم من الطائرة في رحلة خاطفة من القاهرة إلى أبوظبي. ولعلّكم تقرأون هذا المقال اليوم مساءً بينما أكون في "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية"، ذلك الصرح التنويري التثقيفي المحترم في مدينة أبوظبي، لأشارك في الاستعدادات الأخيرة لمحاضرتي غداً الأربعاء 5 فبراير (شباط) في المركز بين يدي المفكّر الكبير "د. جمال سند السويدي"، مدير المركز، أمام جمعٍ نخبويٍّ رفيع من الحضور المثقف من رواد المركز المنشغل بالحفاظ على المستوى الحضاري الرفيع الذي وصلت إليه دولة الإمارات، وكذلك إصلاح العقل الجمعي العربي، حتى نحتلَّ الخانة التي تليق بنا كأمّة قادرة على صناعة الحضارة، مثلما صنعها أجدادُنا في عصور أكثر إشراقًا وأقلّ امكانياتٍ.

أعودُ اليوم إلى دولة الإمارات الجميلة في زيارة سريعة، أحمل معي نسخاً من كتابي (إنهم يصنعون الحياة- بناء الإنسان في دولة الإمارات)، ذاك الذي كتبته على مدى فترة تناهز العام عشتها هنا بينكم في مدينة أبوظبي الهادئة الوادعة، بين شهري مارس وأكتوبر من عام 2016.

خلال تلك الشهور، كانت عيناي ترصدان كلَّ شيء للوقوف على سرِّ معجزة "كوكب الإمارات" التي صنعتها في أقل من نصف قرن، حتى وصلت إلى ذلك المستوى العالمي الرفيع من التحضّر والترقّي والنهوض الإنساني والعلمي والمجتمعي، الذي تصبو إليه جميع ما عداها من دول عربية، من بينها بلدي الجميل، مصرُ، التي تنهضُ الآن من كبوتها لتحتلَّ في الغد القريب بإذن الله المكانة الرفيعة التي تليقُ باسمها الشريف.
ولهذا أهديتُ كتابي عن الإمارات إلى مصر، حيث كتبتُ في الصفحة الأولى منه: (إهداء: إلى مصرَ … أحلُمُ أن أراكِ يومًا كما يليقُ بكِ أنْ تكوني. إليكِ يا مصرُ خارطةُ الطريق، في هذا الكتاب الصغير، عن دولةٍ شيّدتْ مجدَها بالحبِّ والقانون والتحضّر. فانهضي يا حبيتي من كَبوتِك … واستعيدي بالحبِّ مجدَكِ المهدور.)

نعم. أغارُ. أغار على بلدي لأنها أمّي، التي لا أعرفُ لي أمًّا سواها. أغارُ حين أجد دولاً شقيقة قد سبقتها على سُلَّم الإنسانية وحقوق المواطنة. لكنها الغَيرةُ الطيبة التي تُسمّيها الأدبياتُ اللغوية العربية: “الغبطة". وهي في "لسان العرب" تعني: أن يتمنى المرءُ مثل ما للمغبوط من النعمة، من غير أَن يتمنَّى زوالَها عنه.” أغبِطُ دولة الإمارات الجميلة وأنتظرُ اليوم الذي أرى فيه مصرَ مثلها من حيث احترام حقوق الإنسان، مهما اختلف معتقدُه وجنسُه وطبقته الاجتماعية.

 ومصرُ اليوم على الطريق بفضل الحكم الرشيد لرئيسنا المشير عبد الفتاح السيسي الذي أنقذ مصرَ من ويل الإخوان الإرهابيين، ونهض بها في تسارع مدهش خلال سنوات قليلة في مجالات تنموية عديدة مثل: التعليم والصحة والإسكان وحقوق المرأة والطفل والمُعوزين والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة والاستثمار والنهضة المجتمعية والعمرانية وغيرها، ومازلنا نحاول معه من أجل النهوض بالعقل الجمعي المصري ليخرج من ظلامية التطرف الديني الضيق، نحو رحابة السماحة الإنسانية والتسامح العَقَدي والتحضر الأخلاقي والمواطنة الحقّة والمدنية السوية.

وفي كلمته البديعة في تصدير الكتاب، كتب سمو الشيخ عبد الله بن زايد: (في كتابها الجميل، تحدّثت فاطمة ناعوت عن التسامح في دولة الإمارات، وقالت إن السبب وراء ذلك كلمتان سحريتان: “التعليم، وتطبيق القانون". وأقول لها إنه لا يوجد خيارٌ آخرُ للبشرية سوى التسامح. فغيابُه يعني الدمار الشامل. ويكفي أن ينظر أحدُنا حوله ليرى كيف انهارتْ دولٌ، وشُرِّدَت شعوبٌ، وأُبيدت جماعاتٌ وحضاراتٌ؛ فقط لغياب التسامح. فعندما يعتقدُ شخصٌ ما بأنه هو وحدَه من سيدخل الجنّة، وهو وحده من يحظى برحمة الله، وهو فقط من يستحقُ الحياة، فإنه يتحوّل إلى وحشٍ بائس، يقتاتُ على مآسي الآخرين؛ فيقتلُ الأطفالَ، ويُفجِّر دورَ العبادة، ويدعسُ بظلاميته على كلِّ ما هو إنسانيّ. لقد كان نهجُ الشيخ زايد، منذ بداية تأسيس الدولة، احترام الآخر أيَّا كان عِرقُه أو دينه؛ ففتحتِ الإماراتُ أبوابَها للعالم أجمع، وتحوّلت إلى قِبلة للحياة الكريمة... ولقد شدّ انتباه الأستاذة فاطمة أن حكومة الإمارات منحت أراضي لعدة جاليات وافدة من أجل بناء معبد هندوسي، وآخر بوذي، وأحبُّ أن أقول لها إن الحكومة قد شيّدت أيضاً العديد من الكنائس لمختلف الطوائف المسيحية، لأن دولتنا تعتقد أنه من حقّ كل معتنق ديانة أن يمارس شعائرَ دينه بكل طمأنينة ومحبة. إن اختلاف عقائدنا لا يجبُ أن يدفعنا للصراع مع الآخر. بل إن اللوحة الفنيّة لا يبرزُ جمالُها في أحيان كثيرة؛ إلا عندما تتنوّع الألوانُ والأشكال فيها. أودُّ أن أتقدّم للأستاذة فاطمة ناعوت بالشكر لانشغالها بتجربة الإمارات الحضارية، التي على الرغم من حداثة سِنِّها، إلا أنها قدّمت نموذجًا عربيًّا وعالميًّا يتماهى مع روح القرن الحادي والعشرين. وإنني أرجو أن تُلهِم تجربتُنا دولًا شقيقةً وصديقة، لن نتوانى عن العمل معها للنهوض بشعوب الأمة العربية، وبناء مستقبل جميل لنا، وللأجيال القادمة.)

انتهت كلماتُ الشيخ عبد الله بن زايد، ولا ينتهي احترامي لطيب الذكر صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي ربى أبناءه وأبناءَ شعبه على قيم السمو والتحضر والإنسانية، فنجحوا في صناعة تلك المعجزة الحضارية الجميلة: دولة الإمارات العربية المتحدة.