كتاب "نهاية العالم كما نعرفه" لإيمانويل فالرشتاين.(أرشيف)
كتاب "نهاية العالم كما نعرفه" لإيمانويل فالرشتاين.(أرشيف)
الخميس 20 فبراير 2020 / 19:18

إيمانويل فالرشتاين...نهاية العالم كما نعرفه!

هناك حاجة ملحة إلى تحريك جديد للمعرفة يتجاوز المسلمات واليقينيات القديمة التي تسرّب الكثير منها إلى مجالات المعرفة، بما في ذلك العلوم الاجتماعية

 أيُّ مستقبل للنسق العالميّ الراهن؟ وأيُّ نمطٍ من المعرفة ينبغي أن يوجِّه رؤيتنا لمستقبل العالم؟ هذان هما السؤالان المركزيان اللذان طرحهما إيمانويل فالرشتاين أستاذ العلوم الاجتماعيّة ومدير مركز فرنان برودويل في جامعة بنغمتون في كتابه"The End of The World As We Know It : Social Science for the Twenty_First Century. لقد ناقش فالرشتاين أطروحة في غاية الأهمية هي أنَّ النسق العالميّ الذي نكوِّن واحدًا من أجزائه يعيش الآن الطور الأخير من عمره، ويعبر، بالتأكيد مرحلة انتقال مؤكَّدة إلى مستقبل غير مؤكَّد على الإطلاق. ولذلك فإنَّ الطرائق التي درجنا من خلالها، على تصوّر عالمنا، وأساليب تفكيرنا فيه، تواجه تحديًا جوهريًا في هذه الآونة. وإذا أردنا أن نحسب الخوض في مرحلة الانتقال التي يجتازها هذا النسق العالميّ، فإنَّ علينا أن نفهم كلَّ الفهم جانبًا من القضايا المعرفية الأساسيّة التي بين أيدينا.

إنَّ النسق العالميّ المعاصر، كما يرى فالرشتاين، بوصفه نسقًا تاريخيًا، قد دخل أزمة الاحتضار، وأنَّه من غير المحتمل أن يبقى قائمًا بعد خمسين سنة من الآن. إنَّ للأنساق العالميّة أعمارًا محدودة وآجالاً تاريخية يخضع لها "عالم الرأسمالية". إنَّ هناك حاجة ملحة إلى تحريك جديد للمعرفة يتجاوز المسلمات واليقينيات القديمة التي تسرّب الكثير منها إلى مجالات المعرفة، بما في ذلك العلوم الاجتماعية، فحال دون الإبداع فيها ودون فهم أعمق وأوضح لمسار العالم وقضاياه.

يؤكِّد فالرشتاين وجود نوعين مهمين جديدين من الحركات الفكرية التي برزت خلال العقود الثلاثة الماضية وهي علوم التراكب والدراسات الثقافية، وكلاهما يطرح مسألة في غاية الأهمية هي وجود ثقافتين تختلف إحداهما عن الأخرى كلَّ الاختلاف، وتناقض إحداهما الأخرى على نحو جوهريّ, إنَّ هناك ستة تحديات كبرى ستفرض تغيرات كبرى وجوهرية تغير وجه العالم كلّه بعد سنوات قليلة من الآن، أولها هو سؤال: هل من المكن قيام عقلانية نظامية مجردة؟

 وكيف يمكن وجود عقلانية نظامية عالميّة كونيّة؟ والتحدي الثاني هو تحدي المركزية الأوروبيّة Eurocentrism، والتحدي الثالث هو حول واقع متعدد الجوانب للزمن. وقد جاء التحدي الرابع من خارج علم الاجتماع، وقد تمثّل في ظهور حركة معرفية في العلوم الطبيعية والرياضيات تُعرف اليوم بدراسات التراكب. وتمثل الحركة النسوية Feminism التحدي الخامس، ويقول المؤيدون لهذه الحركة بأنَّ عالم المعرفة كان متحيّزًا بطرق متعددة؛ فقد تجاهل النساء بوصفهن شخصيات مؤثِّرة في حركة المصير الإنسانيّ. كما أنَّ عالم المعرفة قد أقصى النساء بوصفهن باحثات في الواقع الاجتماعي، واستعمل مسبقًا افتراضات حول الجنوسة/ الجندر genderلا ترتكز على بحث واقعيّ، وتجاهل وجهات نظر النساء. أمَّا التحدي السادس والأخير فيتمثل في أنَّ الحداثة، وهي المحور المركزيّ لكلّ عملنا السوسيولوجيّ، لم يكن لها وجود على الإطلاق.

إنَّ المنظورات المستقبلية عند فالرشتاين تكمن في أهم توقعاته للقرن الحادي والعشرين: التوحيد الإبستمولوجيّ الجديد لما يُدعى بالثقافتينtwo cultures أي توحيد إبستمولوجيا العلوم والإنسانيات humanities، والتوحيد الجديد التنظيمي والتقسيم الجديد للعلوم الاجتماعيّة، وافتراض بأنَّ العلوم الاجتماعية لها دور مركزي في عالم المعرفة. يمثل هذا الكتاب أهمية استثنائية في كونه مرصدًا اجتماعيًا استباقيًا لما سيكون عليه العالم كلّه بعد عقود قليلة من الآن، بما يسمح لراسمي الخطط الاستراتيجية السياسية والاقتصادية والثقافية تخطيطات جديدة للمستقبل وسياسات ثقافية واقتصادية مغايرة. إنَّ كتاب إيمانويل فالرشتاين في ترجمته العربية صادر عن مشروع نقل المعارف الصادر عن هيئة البحرين للثقافة والآثار، ومن ترجمة فايز الصبّاغ.