عمال يعقمون محطة قطارات في شنغهاي الصينية (رويترز)
عمال يعقمون محطة قطارات في شنغهاي الصينية (رويترز)
الخميس 27 فبراير 2020 / 20:14

المعلومة أيضاً قد تكون فيروساً

بما أننا نعيش حالياً في حقبة "كورونا كوفيد 19" الاسم العلمي الجديد لفيروس كورونا الصيني، فإنه من المناسب تناول موضوع تفشي وباء المعلومات الذي يوازي، ويحفز تفشي الوباءات الفيروسية.

الفكرة الجديدة التي يتلقاها الإنسان لا يتم تقييمها في عقل المُتلقي على أساس علمي، بل من قبل تقييم شخصي نقله إليهم أشخاص آخرون

عالمنا الحقيقي والافتراضي يزخر بالمعلومات والإشاعات والأخبار التي لا تقل وبائية عن الفيروسات المسببة للأمراض، المعلومات والأفكار من حولنا قد تكون إيجابية، مثل تفشي مشاهدة مسلسل افتح يا سمسم، الذي ينشر المعرفة والتسلية، أو تكون معلومات وأفكاراً سلبية مثل تفشي أخبار نظرية المؤامرة التي تُخدر البعض حيال واقعهم، عند ظهور وباء مايكروبي جديد، وبدل أن ينشغل البعض بالاهتمام بالنظافة الشخصية للوقاية من المرض، فإنه ينشغل بترويج حكايات عن مختبرات سرية تهدف إلى إفناء الإنسان بحرب بيولوجية خاطفة.

تناول ريتشارد برودي في كتابه "فيروس العقل: علم الميم الجديد" موضوع تقمص الأفكار للطبيعة الفيروسية المُعدية، تلك الأفكار التي قد لا نلقي لها بالاً، تنتشر في عقول الناس، وتؤثر على سلوكهم وأذهانهم دون أن يشعروا بها، بل ويتناقلونها ويعيشون بقية حياتهم تبعاً لها.

فيروسات العقل تستطيع الاستحواذ على عقول الناس باتجاه الموضة والطقوس والعادات، وهناك شبكات تضخ المعلومات، بكرم وسخاء، إلى الناس، وكلما اقتربنا من مركز هذه الشبكات، التي تشمل الأصدقاء والزملاء، والعائلة، ووسائل التواصل الاجتماعي، ازداد ارتباطنا بالآخرين، وزادت فرص حصولنا على الأفكار، والمعلومات كما يذكر جونز وفلاكسمان في كتابيهما "انتشار الأسطورة".

مكمن الخطر هو في وجودك في مركز الشبكة، فذلك يجعلك عرضة للأفكار الجديدة، وغير المجربة، ويزيد من خطر إصابتك بالمعلومات، والأفكار السيئة والتسليم بها، كما لو كانت أفكارك، تماماً مثل حالة شخص سافر إلى وسط مدينة ووهان الصينية هذه الأيام لشراء مأكولات من سوق الأسواق البحرية المشتبه باحتضانها لفيروس كورونا، ولا يعود من السوق إلا وهو حامل للفيروس دون أن يدري.

الفكرة الجديدة التي يتلقاها الإنسان لا تُقيّم في عقل المُتلقي على أساس علمي، بل من قبل تقييم شخصي نقله إليهم أشخاص آخرون، هل تذكر آخر مرة اشتريت فيها ثلاجة أو تلفزيوناً، وهل اخترت المُنتج بسبب تجربة شخصية ونصيحة صديق؟ أم بسبب قراءة أبحاث وتقييمات لأفضل العلامات التجارية؟

نحن نعيش في زمن أصبحت فيه كلمة من مصدر "جدير بالثقة" أكثر وزناً، وثقلاً، وقبولاً من المصادر العلمية التي عادة ما تكون مغمورة خلف سيل المعلومات الصادرة من "الجديرين بالثقة".