الأحد 8 مارس 2020 / 13:38

هل يقضي فيروس كورونا على العولمة؟

قبل مئة عام، ساهم وباء الأنفلونزا الإسبانية في انهيار أول موجة من العولمة المعاصرة. واليوم يتساءل بعض الخبراء عما إذا كان كورونا سيتسبب بالأمر نفسه.

تفشى وباءان منذ عام 1945، ولكنهما لم يقوضا النظام العالمي، ولذا لن يضع فيروس كورونا ذاته نهاية للموجة الأخيرة من العولمة

وكتب جون فيفر، مدير مؤسسة "فورين بوليسي إن فوكس" لدى معهد الدراسات السياسية، وكاتب رأي لدى موقع ستراتفور للتحليلات والأبحاث، عما سمعه من مهندس معماري التقى به في منتصف فبراير(شباط) من أنه يواجه مشكلة في إنهاء مشاريعه تكمن في تأمين قطع من السجاد لتغطية أرضيات المباني، وتأتي عادة من الصين.

ولفت إلى أن معظم السجاد اللازم لتنفيذ مشاريع البناء في الولايات المتحدة يستورد من الصين. وتسبب تفشي الفيروس- وما تبعه من إغلاق عدد من المصانع الصينية، بهزة في الاقتصاد العالمي.

هشاشة
ويرى الكاتب أن الانتشار العالمي للمرض الجديد كشف عن هشاشة الحياة العصرية. ففيما انتقل الفايروس حول العالم، عرض نظام العولمة للخطر، ما حد بشكل كبير من تدفق الأموال والسلع والناس على المستوى الدولي. وعبر إصابة أقل من 100 ألف شخص، أضر الفيروس بالاقتصاد العالمي.

وأصاب كورونا سلاسل التوريد العالمية التي تربط المصانع بالمستهلكين. فقد تراجعت حركة مرفأ لوس أنجلس، أكبر مرفأ أمريكي، بنسبة 25% في فبراير( شباط). وانخفضت حركة الحاويات عموماً بأكثر من 10% في الشهر الماضي.

وبدأ منتجون يعتمدون على مكونات من دول بعيدة التفكير بمشاركتهم في خط التجميع العالمي بسبب ارتفاع كلفة الرسوم الجمركية وتكاليف النقل وزيادة التشغيل الآلي. وسوف تكثر عملية إعادة" التصنيع للداخل" بسبب اضطرابات أحدثها فيروس كورونا.

وعلاوة عليه، يلفت الكاتب لتراجع عدد المسافرين حول العالم. فقد ألغيت رحلات طيران قادمة من أو متجهة إلى بؤر للفيروس – مثل كوريا الجنوبية وإيطاليا. وانخفضت أسعار بطاقات الطيران في الأسبوع الماضي بمعدل 10% عما كانت عليه في نفس الفترة من العام الماضي. وضربت صناعة الرحلات البحرية التي تجوب العالم بعدما تفشى الفيروس على متن سفينتين كبيرتين.

تجاهل
ووفقاً للكاتب، بعد تجاهل تفشي فيروس كورونا في الصين خلال معظم شهر فبراير(شباط)، أصيبت الأسواق بنكسة كبيرة في الأسبوع الأخير من الشهر. وفقدت أسواق البورصة ما قيمته 6 تريليون دولار في الأسبوع الماضي، وهو أسوأ أداء منذ الأزمة المالية قبل عشر سنوات. ويعتبر هذا دليل على استمرار المرض، فضلاً عن عدم كفاءة بعض القادة، ومنهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ورغم تدخل الاحتياط الفيدرالي وبنوك مركزية أخرى، يواصل السوق تقلباته.

وما قد يدعو للسخرية، برأي الكاتب، توقعات بأن يؤدي مرض معدٍ، وحتى لو كان ينتشر بمعدل وباء، لعكس مسار اقتصادي بدأ يتطور منذ أكثر من مائة عام. لكن تفشي فيروس كورونا يتزامن مع هجمات على العولمة الاقتصادية من عدة جهات.

وعلى سبيل المثال، شكك أنصار البيئة منذ وقت طويل بنمو اقتصادي عالمي لا محدود. وأدى تغير المناخ لزيادة حدة ذلك النقد، وجعله محط جدل عام.

وفي الوقت نفسه، دعا تفاقم عدم المساواة الاقتصادية للتشكيك في قدرة العولمة الاقتصادية على تحقيق المساواة بين البشر. ووصل الأمر لدرجة تشكيك صندوق النقد الدولي بالتأثير الخبيث لهذا التفاوت( لكن دون العمل على إجراء إصلاح مؤسسي لعلاج المشكلة).

تحديات
وحسب الكاتب، ربما كان للحرب التجارية التي استهلها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ضد الصين أكبر أثر. فقد أضرت تلك الحرب باقتصادي البلدين، مع فقدان للوظائف، وارتفاع قيمة فواتير المستهلكين، وفقدان أسواق المصنعين والمزارعين.
وفي الوقت نفسه، انسحبت المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، بما عد انتصاراً للقوميين الاقتصاديين.

لكن الكاتب لا يعتقد أن مثل هذه النكسة ستكون فتاكة بالضرورة. فقد واجهت العولمة تحديات سابقة ناتجة عن أزمات مالية، وأوبئة مثل إنفلونزا هونغ كونغ، وحتى شبح Y2K عند بداية القرن الحادي والعشرين عندما خشي مستخدمو الكمبيوتر ومبرمجين أن تتوقف أجهزة الحاسوب عن العمل في 31 ديسمبر(كانون الأول)، 1999.

ويشير الكاتب إلى أن العولمة المعاصرة تحققت بفضل الطب الحديث. وقد تفشى وباءان منذ عام 1945، ولكنهما لم يقوضا النظام العالمي. ولذا لن يضع فيروس كورونا ذاته نهاية للموجة الأخيرة من العولمة، بل ربما يدفع تفشي المرض لإعادة التفكير بكيفية تكاتف دول العالم والعمل معاً لمكافحته.