الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان (أرشيف)
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان (أرشيف)
الأربعاء 11 مارس 2020 / 19:49

اتفاق إدلب

عرقلت واشنطن في 6 مارس (آذار) 2020، إعلاناً من مجلس الأمن، يدعم الاتفاق الروسي التركي حول إدلب، وقالت إن الأمر سابق لأوانه، بينما أكدت فرنسا، أن وقف إطلاق النار في إدلب، بين روسيا وتركيا، يتضمن نقاطاً غامضة، فالترتيبات الروسية التركية حول المسائل الإنسانية، والسياسية، غير واضحة، كما أن اتفاق إدلب، يتضمن نقاطاً معقدة حول الانسحاب من الطرق الدولية.

تهميش دور إيران قليلاً من معادلة سوريا، على الأقل في القتال الأخير حول إدلب، له احتمالان، الأول أن النمر الورقي الإيراني، بعد مقتل قاسم سليماني، تأثّر كثيراً، ولم يعد قادراً على حجز مقعد أمامي دائم في الأزمة السورية، والثاني، أن بوتين التقط ارتباك، وخَوَر النمر الورقي، فدفعه خارج المشهد السوري.

وبالمثل أعلنت روسيا، أن رغبة الولايات المتحدة الأمريكية، في تبني قرار عاجل، يؤيد الاتفاق الذي توصلت له واشنطن مع حركة طالبان في 29 فبراير (شباط) الماضي، حول أفغانستان، ستُقابَل برفض روسي.

تزداد عبثية حق "الفيتو" في مجلس الأمن، كلما ازداد الصراع بين القوى العظمى، ليبدو مجلس الأمن في نهاية الأمر، كياناً بلا قيمة.

أما فرنسا، فهي تخشى مشكلة اللاجئين، والهجرة الجماعية التي تقرع أبواب قارة أوروبا، القارة العجوز، العاجزة أمام ابتزاز أردوغان، بينما فلاديمير بوتين لا تعنيه مشكلة الهجرة، بل تعمل مشكلة الهجرة في صالحه، ورقة سياسية، تكشف وهن الاتحاد الأوروبي الذي فقد عضوية بريطانيا، لأسباب اقتصادية، من ضمنها الهجرة.

فرنسا مستاءة أيضاً من لتغاضي عن ذكر الطريق الدولي "إم 5"، الرابط بين دمشق وحلب، في بنود اتفاق إدلب، وهذا يعني أن طريق "إم 5"، سيبقى تحت سيطرة الجيش السوري بالكامل، دون أي دور أمني لتركيا، أو لفصائل الجماعات الإرهابية المدعومة من تركيا، وكأن فرنسا تأسف على ضعف تفاوض أردوغان في اتفاق إدلب.

تعرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والوفد المرافق له، لإهانات انتظار مذلة على باب غرفة الاجتماعات. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يجهز بعد.

كانت الكاميرا التي لا ترحم، على استعداد لتسجيل ملامح الحيرة، والغضب المكتوم، والنظرات الزائغة هنا وهناك، للوفد التركي. جلس أردوغان بيأس على كرسي الانتظار، خارج الغرفة، بينما أخذ مولود جاويش أوغلو، وزير الخارجية التركي، في النظر إلى تمثال بالقرب من مرآة، لتمضية الوقت.

على متن الطائرة، بعد اللقاء مع فلاديمير بوتين، اعترف أردوغان وهو عائد إلى تركيا، بأن بلاده، خسرت المئات من الجنود الأتراك.

وهذا الاعتراف ينفي الأرقام المتواضعة، المُعلنة من قِبَل وسائل الإعلام التركية. الرقم المُعلن كان 34 جندياً تركياً، لقوا حتفهم في معركة إدلب الأخيرة.

قال أردوغان أيضاً على متن الطائرة، إن مراكز، أو نقاط المُراقَبَة في إدلب، شمال غرب سوريا، ستحتفظ بوضعها الحالي في ظل وقف إطلاق النار. حتى المتابع المبتدئ للأمور السياسية، يفهم دون عناء، أن أردوغان ذهب إلى موسكو، لفك عزلة نقاط المُراقَبة التركية، وتقهقرها أمام الجيش السوري الذي فرض عليها حصاراً خانقاً، بغطاء من قصف الطائرات الروسية.

من ضمن ترجمة بنود الاتفاق، تثبيت مكاسب الجيش السوري، وروسيا، في معرة النعمان، وخان شيخون، في اتفاق إدلب. لا شك أن انزعاج أردوغان من بنود الاتفاق، قد يدفعه للقتال مرةً أخرى، لإضافة بنود، بالقوة على أرض الواقع، لم يستطع الحديث عنها مع فلاديمير بوتين، مثل طلبه بتراجع القوات الحكومية السورية، بعيداً عن معرة النعمان وخان شيخون.

السؤال الذي لا يحمل إجابة، بعيداً عن التهديد والوعيد العثماني، هو أن أرض الواقع كانت أمام أردوغان قبل اتفاق إدلب، فلماذا لم يستطع فرض بنوده بالقوة؟ الإجابة الحقيقية، أن القوة ليست تهديداً، أو وعيداً، بل هي فعل صامت، خالٍ من ظاهرة الصوت.

في 1853 قال القيصر الروسي نيقولا الثاني للسفير البريطاني: "لدينا رجل مريض، وسيكون من سوء الحظ أن ينزلق من بين أيدينا".

كان يقصد تركيا. استعارة الرجل المريض، عملت بقوة منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى الآن، لكنها كانت تعمل في صالح الغرب تحت عنوان "رجل أوروبا المريض"، وهدف بوتين هو استعدال عودها، واقتسامها مع الغرب تحت عنوان "الرجل المريض".

عرضت إيران قبل اتفاق إدلب، دور الوساطة بين تركيا والحكومة السورية، ولم يلق هذا العرض تعليقاً من تركيا، أو حتى من روسيا.

كانت إيران حاضرة في محادثات سوريا السابقة، وغابت فجأةً عن اتفاق إدلب الأخير في موسكو.مزعج لأمريكا والغرب، غياب إيران عن اتفاق إدلب، وانفراد بوتين بأردوغان، وفرض شروطه عليه.

تهميش دور إيران قليلاً من معادلة سوريا، على الأقل في القتال الأخير حول إدلب، له احتمالان، الأول أن النمر الورقي الإيراني، بعد مقتل قاسم سليماني، والانتفاضات الشعبية الداخلية، تأثر كثيراً، ولم يعد قادراً على حجز مقعد أمامي دائم في الأزمة السورية، والثاني، أن بوتين التقط ارتباك، وخَور النمر الورقي، فدفعه برفق، وبشكل مؤقت، خارج المشهد السوري.

ربما كانت الدولة العميقة الأمريكية، تعرف أكثر من دونالد ترامب، أن إضعاف النمر الورقي الإيراني، وإهانته أكثر من اللازم، لا يتماشى مع السياسة الأمريكية التي تعتمد منذ الحرب الباردة، ورقة الإسلام السياسي.

كان من الأفضل لأمريكا والغرب، أن يكون فلاديمير بوتين في اتفاق إدلب بين روحاني وأردوغان. طرفان من الإسلام السياسي، يُعقّدان الأمور في وجه بوتين، أفضل من طرف واحد.

ففي النهاية، وعند تقسيم الكعكة السورية، سيبدو نصيب إيران، ثقيلاً في نظر بوتين. فإذا جاءت فرصة خفض حصة إيران في سوريا، من الهواء الطلق، من الفوضى، والسيولة، والسياسات البابلية، رغم الجميع، فلا مانع عند بوتين من اقتناصها.