صورة مايكروسكوبية لفيروس كورونا (أرشيف)
صورة مايكروسكوبية لفيروس كورونا (أرشيف)
الأحد 15 مارس 2020 / 20:57

أسئلة زمن كورونا وما بعده..!!

لا أجد ضرورة للتذكير بأعداد الوفيات والإصابات في مناطق مختلفة من العالم. فهذا ما يتصدّر العناوين الرئيسة في نشرات الأخبار المرئية والمسموعة، وشبكات التواصل الاجتماعي. وهذه الأعداد في تزايد بين نشرة وأُخرى، ناهيك طبعاً عن الإشاعات، والتأويلات، وحالة القلق في أربعة أركان الأرض.

من المؤكد أن البشرية، متعاونة ومتضامنة، ستتمكن من مكافحة الفايروس، والقضاء عليه، حتى وإن كنّا لا نعرف المدى الزمني للحرب على الوباء، وحجم ما سينجم من خسائر، ستكون هائلة بالتأكيد، في الفترة الفاصلة بين لحظة اكتشاف الفايروس وتاريخ القضاء عليه

وفي السياق نفسه فقد استقر في أذهان ما لا يحصى من بني البشر، الآن، أن التفشي المُتسارع والكارثي لفيروس كورونا الجديد، أو كوفيد 19 في لغة أصحاب الاختصاص، يهدد البشرية دون تمييز على أساس العرق أو الدين أو اللغة، أو الفقر أو الغنى، أو حتى درجة التقدّم الصناعي والعلمي والحضاري.

هذه الأشياء كلها معروفة ومُتداولة. ومع ذلك، ثمة أسئلة لم، ولن، تجد إجابات واضحة قبل مرور فترة طويلة من الوقت. فمن المؤكد أن البشرية، متعاونة ومتضامنة، ستتمكن من مكافحة الفايروس، والقضاء عليه، حتى وإن كنّا لا نعرف المدى الزمني للحرب على الوباء، وحجم ما سينجم من خسائر، ستكون هائلة بالتأكيد، في الفترة الفاصلة بين لحظة اكتشاف الفيروس وتاريخ القضاء عليه.

ومع ذلك، يصعب في الوقت الحاضر التفكير فيما ستترك المكافحة، وإجراءات الوقاية، والخسائر المادية والبشرية التي يصعب حصرها وتقديرها الآن، من نتائج بعيدة المدى على الدول، وعلى بنية العلاقات الدولية، والمجتمع الدولي، ونظام العولمة، أي كل ما استقر عليه الحال بعد الحرب العالمية الثانية، وتبلور بصورة واضحة مع صعود الليبرالية الجديدة، ونهاية الحرب الباردة.

فهل سيتمكن نظام العولمة نفسه، بما يعني من انسياب في حركة وحرية الأفراد والبضائع، من الصمود؟ وهل تستعيد الدولة المركزية، التي فقدت بعض سماتها التقليدية في زمن العولمة، ملامحها السابقة؟ وهل يستخلص بنو البشر، في كل مكان، الدروس المناسبة، ومنها أن البشرية لم تكن في مركب واحد، في كل تاريخها، كما هي الآن، وأن كفاحها في سبيل البقاء مشروط بالتعاون والتضامن لا في زمن كورونا وحسب، ولكن بعده، أيضاً؟

وإلى ما تقدم تُضاف أسئلة وثيقة الصلة بالعلاقات الاجتماعية، والتداعيات السياسية والثقافية بعيدة المدى لحالة الطوارئ التي يعيشها العالم الآن. فهل ستؤثر حالة الطوارئ، بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة، التي نشاهدها يومياً على شاشة التلفزيون، وتتشابك مع تفاصيل حياتنا اليومية، بالمعنى الإيجابي أم السلبي على ظواهر من نوع الشعبوية، والقوميات البيضاء، والنزعات الشمولية، والانعزالية؟ وهل سيشهد العالم عقلانية جديدة بأفق إنساني أرحب، أم ستكون النتيجة تعزيزاً للنزعات الحصرية، والشوفينية، والانعزالية؟

يصعب، في الوقت الحاضر، العثور على إجابات قاطعة في هذا الشأن. والأرجح أن هذا سيعتمد على حجم ما ينجم من خسائر وأضرار في فترة المكافحة، وعلى حجم التعاون الدولي في هذا الشأن. فلا يصعب تخيّل أكثر من سيناريو كارثي ومفزع فعلاً خاصة في مناطق تعاني من هشاشة السلطة المركزية في بلدان لا تملك بنية تحتية صحية يُعتد بها، وموارد مالية وبشرية كافية، لحماية السكان. وبهذا المعنى ثمة ما يشبه سباقاً مع الزمن لتفادي سيناريوهات سوداوية كثيرة.

ولا يبدو من السابق لأوانه القول إن صمّام الأمان في هذا كله يتمثل في قدرة الاقتصادات المحلية والدولية على الصمود، وتفادي العثرة الحالية، والنهوض. فالمكافحة، وإجراءات الوقاية، تستدعي تعطيل الكثير من مؤسسات الإنتاج، والخدمات العامة. وهذا يؤدي إلى تناقص في وتيرة الإنتاج، وإرباك الدورة المألوفة للتبادل التجاري في السوق المحلية والدولية، ما يعني الإضرار بمعدلات النمو، ومخصصات الرعاية الاجتماعية والخدمات والتأمين. ولهذا كله تداعيات تمس السلم والاستقرار الأهليين، والإدارة السياسية للمجتمع، والتعاون على الصعيدين الإقليمي والدولي.

المفتاح في قدرة الاقتصادات المحلية والدولية على الصمود، كما أعتقد، وفي مدى التعاون والتضامن الدوليين، وهذا بدوره سيسهم، بالتأكيد، في بلورة إجابات واضحة بشأن أسئلة فرضت نفسها في زمن الكورونا، وستبقى حيّة ومُلحّة بعده.