امرأة تعاين هاتفها.(أرشيف)
امرأة تعاين هاتفها.(أرشيف)
الجمعة 20 مارس 2020 / 19:07

حان وقت الفزع

الاستسلام لنوبة من السعال والعطاس ليس أسوأ ما قد يصيبنا في ظل وباء كورونا، بل للصحة العقلية والنفسية حصتها المُنتظرة من كعكة المصائب، فليس من الحكمة أبداً التقليل منها

منذ تفشّت التحذيرات العالمية من انتشار فيروس كورونا، بدا لي دائماً أن الصوت الأعلى هو ذلك "المهايطي" –كما يُقال في الخليج-، فهو إما يشبّه المرض بالزكام الوديع، أو يعتبره خدعة أصلاً لا تستحق الانجرار خلفها. ولنا في تصريحات دونالد ترامب وجايير بولسونارو مثالاً.
   
وحيثما يممت وجهي، لم أر إلا الإصرار "الانتحاري" على إقامة صلوات الجماعة، وزيارة الأراضي المقدسة، أو حتى الخروج المتهور في المظاهرات الحاشدة، كما حدث في السودان والعراق.

العالم افتقد إلى رسالة مهمة في الآونة الأخيرة، فسأكتبها لعلها ترسخ في ذهني قبل أذهانكم:
لا بأس أن نشعر بالفزع والهلع، ومن الطبيعي أن نعاني التوتر والقلق.

أقول هذا لأن فترة العزل الصحي، وما يرافقها من حظر للتجوال، والتزام بالتباعد الاجتماعي، من المتوقع أن تأتي بمساهماتها الخاصة إلى طاولة الأزمات الصحية.

فهل تعلمون أن العزلة الاجتماعية قد تؤدي بالمرء إلى نقصان المناعة؟ بل إن إحدى الدراسات لاحظت بن كبار السن الذين يلتزمون بيوتهم أطول من أقرانهم يكونون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض العضوية، مثل أمراض القلب.

أما تأثير العزلة على الصعيد النفسي والعقلي، فحدّث ولا حرج. والأمر لن يقتصر على بعبعي القلق والاكتئاب الواضحين نسبياً في معالمهما وأعراضهما؛ ففي دراسة أُجريت على الموظفين المنعزلين في القطبيين الشمالي والجنوبي، سجّل 50% منهم على الأقل معاناته من تراجع ملحوظ في الذاكرة، وتأثر قدرتيه على النوم والتركيز، بالإضافة إلى تزايد شعوره بالعصبية.

أتفهّم تماماً أن تأخذ الصحة النفسية والعقلية مقعداً متراجعاً في صف الأولويات في وقت بات فيه المرض يفتك بالمئات يومياً في دول مثل إيران وإسبانيا وإيطاليا. ولكن ما لا أتفهّمه هو أن تصمت الأصوات المطمئنة تماماً عن الملايين ممن يشعرون بفقدان السيطرة جرّاء الأوضاع الراهنة.
ففور تخلّصنا من الوسوسة الشيطانية لمن يسخّفون تماماً مخاوفنا من "الإنفلونزا العادية"، ويضربون عرض الحائط بشعورنا المتعاظم بالهلع والاضطراب، نقع تحت قبضة ثلة لا تقل شراً، وهم من يحاصروننا بشعارات الإيجابية المفرطة –والمزيفة-، ودعوات الاستفادة من الحجر الصحي لحياكة الكنزات الصوفية، فيحرّمون علينا بدورهم شعورنا الطبيعي جداً بالفزع والتوتر.

واقعياً، إن الاستسلام لنوبة من السعال والعطاس ليس أسوأ ما قد يصيبنا في ظل وباء كورونا، بل للصحة العقلية والنفسية حصتها المُنتظرة من كعكة المصائب، فليس من الحكمة أبداً التقليل منها، أو تجاهل وجودها، فقط لأن العالم يهرع بحثاً عن لقاح لمرض مختلف.

ولأن الإمكانات محدودة أمامنا وقد أصبحنا حبيسي البيوت، فأولى الخطوات التي يُنصح باتخاذها هي المباعدة بيننا وبين مصدر القلق، والذي لا يأبه أصلاً بالنيران التي يشعلها في دواخلنا. حاول أن تطفئ التلفاز بنشرات أخباره القاتمة، اكتم "قروبات" واتساب، وتوقّف –بعد الانتهاء من قراءة هذا المقال، طبعاً- عن تحديث الخط الزمني لـ "تويتر".
كن بخير.