رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
الأحد 29 مارس 2020 / 21:18

هل أرغمت كورونا خصمين عنيدين على التفاهم؟

كل شيء يبدأ، هذه الأيام، بوباء كورونا المُستجد وينتهي به. وهذا يصدق، أيضاً، على احتمال بقاء نتانياهو في سدة الحكم، ونجاحه في تشكيل حكومة "طوارئ وطنية" بالشراكة مع خصمه اللدود، بيني غانتس، الزعيم السابق لتحالف أبيض ـ أزرق.

لا نعرف، بعد، هل وافق غانتس على تمكين نتانياهو من انتزاع قانون، من الكنيست، يمنع المحكمة من إدانة رئيس للوزراء على رأس عمله، أم أن الأمر يقتصر على تمكينه من البقاء على رأس الحكومة خلال فترة المحاكمة

 وقد سارع الجانبان، فعلاً، إلى تبرير هذا التطوّر الدرامي، والمفاجئ، بالحالة الاستثنائية، والظرف الخاص للبلاد، في ظل الوباء، الذي اقترب عدد المصابين به، حتى صباح اليوم الأحد، من سقف الأربعة آلاف حالة.

لذا، خرج موضوع الاتفاق بين نتانياهو وغانتس من دائرة التكهنات، والتسريبات، والإشاعات، وأصبح جزءاً من واقع اللعبة السياسية في إسرائيل. وهذا ما عبّر عنه، صباح اليوم، بيان مشترك بشأن تفاهمات الجانبين في هذا الخصوص، على أن تستمر المفاوضات على مدار اليوم لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق تُوزّع بموجبه الخطوط العامة، والحقائب الوزارية والصلاحيات.

والواقع أن من شأن هذا التطوّر الدرامي، والمفاجئ، الخروج من حالة الشلل السياسي، وتفادي انتخابات نيابية رابعة، وتحرير نتانياهو من "عقدة" ليبرمان، وكذلك "إعفاء" غانتس من الحاجة للحصول على دعم "القائمة المشتركة" كشرط لتشكيل حكومة بزعامة تحالف أبيض ـ أورق. ولكل من هذه الأشياء دلالات وتداعيات بعيدة المدى بالنسبة للنظام الإسرائيلي، والمستقبل السياسي والشخصي للشريكين الأساسيين.

فمن الواضح، بعد ثلاث جولات انتخابية، أن ثمة فجوّة يصعب جسرها بين معسكرين على طرفي نقيض في السياسة والمجتمع الإسرائيليين، وأن الانقسام بين الجانبين، حتى وإن تذرّع بالسياسة والأيديولوجيا، قد أصبح محكوماً بمصالح ورهانات شخصية إلى حد بعيد. ففي صراع البقاء بين نتانياهو، وخصومه، تحوّل النظام السياسي نفسه إلى رهينة.

وعلى الرغم من صعوبة جسر الهوّة إلا أن ما يجمع المعسكرين، في نهاية المطاف، يتمثل في الخوف من فقدان ثقة الجمهور بالنظام، وممثلي "المؤسسة" أي نخبة السياسة، والجيش، والبزنس، المهيمنة والسائدة، التي تقتسم السلطة، وتحكم البلاد، بصرف النظر عن هوية الشخص، أو الحزب، الذي يتزعّم هذه الحكومة أو تلك.

ولا مجازفة في القول إن هذا "الخوف"، وكسر حالة الشلل، هما في صميم خيار "حكومة الطوارئ" المُحتملة. وإذا كنّا لا نعرف، حتى الآن، حجم وطبيعة "التنازلات" التي قدمها نتانياهو فمن الممكن الكلام عن المكاسب التي تمكنه التفاهمات من تحقيقها.

والأبرز، في هذا الشأن، اقتسام رئاسة حكومة تدوم لثلاث سنوات مع غانتس، شريطة أن يكون نصفها الأوّل من نصيبه. وهذا يضمن، ضمن أمور أخرى، موافقة غانتس على تمرير قانون في الكنيست يتيح لنتانياهو ممارسة مهام عمله، على رأس الحكومة، رغم إجراءات المحاكمة التي تقررت في الأسبوع الأخير من شهر مايو (أيار) المُقبل.

أما غانتس فقد خسر، بعد "التفاهم" مع نتانياهو ثقة شريكيه السابقين في تحالف أبيض ـ أزرق، موشي يعالون، ويائير لابيد، وكذلك زعامة التحالف نفسه، الذي انفرط عقده، ولم يعد قائماً في الواقع. وفي سياق كهذا لم يبق لديه سوى 15 مقعداً من أصل 33 مقعداً حصل عليها مع شريكيه في الجولة الانتخابية الثالثة. وهذا العدد يكفي لتشكيل حكومة طوارئ مع نتانياهو وحلفائه في معسكر اليمين، ولدى هؤلاء 58 مقعداً، ودون الحاجة لدعم من ليبرمان، أو اليسار، أو موافقة ضمنية من "القائمة المشتركة".

أما لماذا أقدم غانتس على خيار كهذا، فثمة احتمالات منها: محاولة لكسر حالة الشلل السياسي، حتى وإن استدعى الأمر مجازفة شخصية، وربما انطوت المحاولة نفسها على تكريس حضوره في المشهد السياسي الإسرائيلي كزعيم "عاقل" رفع المصلحة العامة فوق الخاصة، وترفّع على الحساسيات الشخصية، ولا ينبغي تجاهل أن إمكانية الحكم على نتانياهو، وإدانته، تظل قائمة، وبهذا المعنى قد تصبح الكعكة كلها من نصيبه.

ولا نعرف، بعد، هل وافق غانتس على تمكين نتانياهو من انتزاع قانون، من الكنيست، يمنع المحكمة من إدانة رئيس للوزراء على رأس عمله، أم أن الأمر يقتصر على تمكينه من البقاء على رأس الحكومة خلال فترة المحاكمة. وثمة أكثر من فرق بيّن بين الحالتين.

وهذه كلها احتمالات مفتوحة، وسيناريوهات محتملة. وقد كان ما جعلها كذلك، وباعتراف المتفاهمين أنفسهم، وباء الكورونا المُستجد، الذي نجح في إرغامهم على تحقيق ما عجزوا عن تحقيقه على مدار ثلاث جولات انتخابية في أقل من عام.