متحف ميخائيل بولغاكوف في موسكو.أرشيف)
متحف ميخائيل بولغاكوف في موسكو.أرشيف)
الإثنين 30 مارس 2020 / 19:56

"مورفين" بولغاكوف.. أبعد من المخدر

رواية بولغاكوف كما أرادها هو ليست مجرد سيرة، بل هي في صياغتها بعيدة نسبياً عن السيرة

رواية "المعلم ومارغريت" لميخائيل بولغاكوف كانت، في حينها، إحدى علامات القرن، وبالطبع، وهي الخارجة من بلد بدأ مرحلته الشيوعية، بدأت معه الثقافة الروسية، في طورها السوفياتي تتمخض عن نظرية في الفكر والفن لا تتلاءم مع الرواية، التي لم تكن ولا كان صاحبها مقبولاً من العصر الستاليني، الذي تحول فيه الفن والأدب، اللذان كانا من تباشير الحداثة الغربية وأكثرها مستقبلية، إلى درس عقائدي، بعد أن كان من المأمول أن تفضي الثورة، الى تثوير حقيقي، للأدب والفن.

بولغاكوف الأديب والمفكر والفيلسوف لم يتوقف عند "المعلم ومارغريت" بالطبع، كانت له، الى جانبها، أعمال أخرى، أحدها رواية قصيرة بعنوان "مورفين"، وليس بطلاها الطبيبان سوى نسخة مزدوجة لميخائيل بولغاكوف نفسه، فإن بومبغارد وبولياكوف هما الكاتب وقد توزع على شخصين وفي مرأتين. كان بولغاكوف طبيباً وهو الطبيب تورط في الإدمان، إدمان المورفين، كما ورد في مقدمة الترجمة التي قام بها "للمركز الثقافي العربي" اسكندر حبش الذي قدم لها.

بين عامي 1916 و 1917 كان بولغاكوف متطوعاً كطبيب في الصليب الأحمر على الجبهة، كان، كما روت عنه زوجته الأولى التي كانت معه، يبتر، "سيقان الجرحى من الصباح الى المساء". ذلك ما ورد في كتاب ماريان غورغ عنه "ميخائيل بولغاكوف، معلم وقدره".

 بعد ذلك انتقل الى حيث عاين في فترة عام نحو 15381 مريضاً وفي هذه البلدة التي عُيّن في مستشفاها البلدي "نيكولوسكوي" تحول الى مدمن مورفين إذ أصيب بحساسية هرب منها الى المورفين الذي كان وحده مخرجاً منها. سعت زوجته الى معالجته ونصحته بالذهاب الى كييف حيث عولج واستطاع أن يقلع عنها. رواية "مورفين" هي استعادة لتلك التجربة عبر طبيبين أحدهما بومبغارد وهو الراوي والثاني بولغاكوف وهو المدمن. تدخل بولغاكوف في الرواية التي نقلت تجربته وفي مصائر أشخاصها، وخاصة المدمن الذي هو مرآته، إذ جعله ينتحر بعد أن راسل صديقه الراوي الذي لم يستطع أن يلحق به رغم تأهبه لذلك، إذ فوجئ بانتحاره.

رواية بولغاكوف كما أرادها هو ليست مجرد سيرة، بل هي في صياغتها بعيدة نسبياً عن السيرة. بولغاكوف استعار شخصين، لكن الرواية القصيرة أكثر من أن تكون وصفاً لتجربة الإدمان. إننا نجد في يوميات بولغاكوف التي ارتكز اليها سرد بولغاكوف لإدمانه، ما هو أيضاً رؤية خاصة، فإن الإدمان هو وسيلة بولغاكوف ليتناول الحياة نفسها ومعاناة الإنسان فيها، بل هي وسيلته ليقول كلمته في الكون والإنسان. نحن نقرأ هنا ليس فقط مضاعفات الإدمان، لكننا نقرأ صراع الإنسان، ليس مع العالم فحسب، ولكن مع نفسه أولاً. المورفين هو هنا الهوة وهو الدهليز وهو المسخ، إذا كان لنا أن نتذكر كافكا. إنه الحفرة التي هي أيضاً داخل الإنسان وهي أيضاً قدره. المورفين هكذا ليس مجرد عرض مرضي، إنه ايضاً السقطة اذا كان لنا ان نتذكر البير كامو، وهو هكذا نفي مطلق ومحو مطلق أي أنه حافة العدم. إنه الوحدة الكاملة كما يقول بولغاكوف وهو النسيان التام، وهو، بمعنى من المعاني نفي للعالم والواقع "أصبحت أخاف من أقل ضجة يتراءى للناس مرعبين حين أكون في لحظة الإمتناع هذه"، "أتوقع عبر النوافذ السوداء ظهور كائنات، أمر لا يُحتمل، لا يوجد غير ستائر معدنية" "لماذا في نهاية النهايات عليّ أن أجد مبرراً لكل فعل من الأفعال".