الخميس 9 أبريل 2020 / 16:54

العالم بعد كورونا... تسريع التاريخ لا تحوّله

ليس كل أزمة كبرى تجتاح العالم تمثل نقطة تحول كبيرة تعيد صياغة تاريخ البشرية، وإنما هي تسرّع مساره، وفق ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، ومؤلف كتاب" العالم: مقدمة موجزة" سينشر في 12 مايو( أيار).

العالم بعد الوباء لن يكون، برأي هاس، مختلفاً بشكل جذري عما سبقه. ولن يغير كوفيد-19 الاتجاه الأساسي لتاريخ العالم بقدر ما سوف يسرعه

وأشار هاس، ضمن موقع "فورين أفيرز" إلى أن العالم يشهد أزمة كبيرة بكل المقاييس، ولذا من الطبيعي الافتراض بأنها ستكون نقطة تحول في التاريخ الحديث.

ومنذ ظهور كوفيد-19، اختلف المحللون بشأن شكل العالم الذي سيخلفه الوباء بعد زواله. ولكن معظم هؤلاء يعتقدون أن العالم سيكون مختلفاً في الأساس عما كان عليه سابقاً. ويتوقع البعض أن يؤدي الوباء لتشكل نظام عالمي جديد بقيادة الصين، ويعتقد آخرون أنه سيؤدي لتقويض القيادة الصينية. ويقول خبراء إن الوباء سينهي العولمة فيما يأمل آخرون أن يكون بداية لعصر جديد من التعاون الدولي، ويرى آخرون أن الوباء سيعزز المشاعر القومية ويقوض التجارة الحرة ويقود إلى تغيير أنظمة في عدد من الدول – أو كل ما سبق ذكره.

محطة على الطريق
ولكن العالم بعد الوباء لن يكون، برأي هاس، مختلفاً بشكل جذري عما سبقه. ولن يغير كوفيد-19 الاتجاه الأساسي لتاريخ العالم بقدر ما سوف يسرعه. فقد كشف الوباء وكيفية الاستجابة، المواصفات الرئيسية للسياسات الجغرافية السارية حالياً وأعاد تعزيزها. ونتيجة له، ستكون الأزمة بمثابة محطة على طريق سار عليه العالم خلال العقود الأخيرة.

وحسب كاتب المقال، من السابق لأوانه توقع موعد انتهاء الأزمة. وسواء استغرق ذلك 6 أو 12 أو 18 شهراً، سوف يعتمد التوقيت على درجة التزام الناس بإرشادات التباعد الاجتماعي والنظافة الشخصية وتوفر معدات اختبار سريعة ودقيقة وأدوية مضادة للفيروسات، ولقاح، ومقدار المعونات الاقتصادية المقدمة للأفراد والشركات.

ورغم ذلك، سيكون من السهل التعرف على العالم الناجم عن الأزمة. فقد اتسم المناخ الدولي قبل ظهور كوفيد-19 بانحسار القيادة الأمريكية، وتعثر التعاون الدولي والخلاف بين القوى العظمى، وجاء الوباء ليبرز تلك التحولات بحدة أكبر. وستكون تلك المعالم أكثر وضوحاً.

عالم ما بعد أمريكا
ويرى كاتب المقال أن من أبرز مواصفات الأزمة الحالية غياب الزعامة الأمريكية. ولم تحشد الولايات المتحدة العالم في جهد جماعي لمواجهة الفيروس أو آثاره الاقتصادية. كما لم تحشد أمريكا العالم ليحذو حذوها في التصدي للمشكلة داخل البلاد. وتعمل دول أخرى على رعاية أبنائها بقدر المستطاع، أو تطلب العون ممن تخطوا ذروة العدوى، كالصين.

ولكن إن كان العالم الذي سيلي الأزمة سيشهد تراجعاً للهيمنة الأمريكية شيئاً فشيئاً، فإن ذلك ليس بجديد، وكان واضحاً منذ ما لا يقل عن عشر سنوات.

وكان احتمال هذا التغيير جزءاً من رسالة ترامب "أمريكا أولاً"، والتي وعدت بأن تصبح الولايات المتحدة أقوى وأكثر ازدهاراً، إن هي قلصت من جهودها الخارجية، وركزت طاقاتها على قضايا داخلية. وارتكز ذلك الرأي لفرضية أن قدراً كبيراً مما قامت به الولايات المتحدة في الخارج كان مضيعة للوقت وغير ضروري وغير مرتبط بالرفاه المحلي. ويتوقع أن يعزز الوباء هذا الرأي لدى العديد من الأمريكيين.

دليل إضافي
إن وباء يبدأ في بلد ما وينتشر حول العالم يمثل تهديداً دولياً، ودليلاً إضافياً على أن العولمة حقيقة. فقد اجتاح الوباء دولاً مفتوحة ومغلقة، غنية وفقيرة، في الشرق والغرب. وما يبدو مفقوداً البتة هو مؤشر على رد عالمي ذي جدوى. وليس أدل على ضعف المنظمة الدولية من شبه لامبالاة منظمة الصحة العالمية بتفشي الوباء، التي يفترض أن يكون لها دور أساسي في مواجهة هذا الخطر الداهم.

إلى ذلك، يلفت الكاتب لتدهور العلاقات منذ سنوات بين الولايات المتحدة والصين. وقد فاقم الوباء من الخلاف بين البلدين، وخاصة عند اتهام أمريكا للصين بتعمد التعتيم على تفشي كوفيد-19 في بدايته في منطقة ووهان، والتسبب بانتشاره حول حول العالم.

فقدان زخم
ويلفت كاتب المقال إلى الأثر الكبير الذي تركه كوفيد-19 على المشروع الأوروبي الذي فقد زخمه، في ظل تصدي كل بلد أوروبي بمفرده للوباء. لكن عملية التكامل الأوروبي فقدت ألقها منذ ما قبل الأزمة- عند خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

إلى ذلك، يلفت الكاتب إلى أن الحاجة، بعد الحرب العالمية الثانية، لمواجهة الخطر الشيوعي السوفيتي دفع الأمريكيين لدعم بلدهم في القيام بدور رائد حول العالم. وبالمثل، يشير بعض المحللين إلى إمكانية استدعاء التهديد الصيني لحشد تأييد شعبي لسياسات حكومتهم.

لكن يرى الكاتب أن تبني سياسة خارجية أمريكية قائمة على أساس معاداة الصين ليست ممناسبة لمواجهة التحديات الدولية التي تشكل عالم اليوم.