فتى يحمل سلاحاً خلال تجمع للحوثيين في صنعاء (أرشيف)
فتى يحمل سلاحاً خلال تجمع للحوثيين في صنعاء (أرشيف)
الأحد 12 أبريل 2020 / 17:41

أولويات الحقل السياسي في زمن الوباء..!

لا تقتصر أسئلة ما سيكون عليه العالم بعد الوباء على العلاقات الدولية، والاقتصاد، واستثمار الموارد، وإدارة الأزمات، بل تشمل أيضاً علاقات القوى المكوّنة للحقل السياسي في مختلف البلدان، في الشرق والغرب على حد سواء

يميل أغلب الناس إلى القول إن العالم بعد وباء الكورونا المُستجد لن يعود كما كان قبله. وتتعدد، في هذا الشأن، الآراء والاجتهادات. ولعل في مجرّد الاكتفاء بوجبة إخبارية واحدة، في اليوم، سواء عبر شاشة التلفزيون، أو منصّات التواصل الاجتماعي، ما يكفي للتدليل على حقيقة أن الوباء، وما يتصل به، ويتفرع عنه، من كلام عن إصابات، وتكهنات، وإجراءات وقائية، وتحليلات، هو الشغل الشاغل على مدار اليوم، ومنذ أسابيع أصبحت طويلة الآن، لكل بني البشر في أربعة أركان الأرض.

وإذا كان من الصعب التنبؤ بما سيكون عليه العالم بعد الوباء، فإن الأمر يبدو أقل صعوبة إذا حاولنا تأمل ما طرأ، فعلاً، من تحوّلات حتى الآن، لا على نمط حياتنا اليومية وعلاقاتنا الاجتماعية وحسب، ولكن على السياسة، أيضاً، بالمعنى الكبير للكلمة.

ويكفي، في هذا الصدد، تأمل أحوال العالم العربي، الذي شهد منذ العام الماضي موجة احتجاجات عارمة في أربع دول عربية. ففي السودان أطاحت بالرئيس البشير، وفي الجزائر حالت دون تجديد الولاية للرئيس بوتفليقة، وأخرجته في النهاية من سدة الحكم، وفي العراق أطاحت برئيس حكومة، وعرقلت نجاح أكثر من مرشّح في تشكيل الحكومة، وفي لبنان فعلت الشيء نفسه، وعطلّت تشكيل الحكومة لفترة من الوقت.

يمثّل كل ما تقدّم تحوّلات مفصلية في الحياة السياسية لتلك البلدان. وبالنظر إلى ما كان عليه الحال في الأيام القليلة التي سبقت فرض تقييدات وإجراءات وقائية للحيلولة دون تفشي الوباء، بما فيها حظر التجمعات، لم يكن ثمة ما يوحي بأن الموجة المذكورة قد وصلت إلى نهايتها. وقد حاول المُحتجون تحدي الإجراءات الوقائية في الأيام الأولى، ولكن جدية خطر الوباء أقنعت المحتجين، في نهاية الأمر، بجدوى البقاء في بيوتهم، والالتزام بالحجر الصحي في ظروف شديدة الخصوصية.

بمعنى أكثر مباشرة، عطّل وباء كورونا المُستجد حركة وحراك الناس في الحقل السياسي في بلدان احتدم فيها الصراع، وفرض وضع أولويات جديدة على جدول أعمال الحكومة والمعارضة على حد سواء. والسؤال الملح، في هذا الصدد: بعد نهاية كابوس الوباء، هل سيعود الصراع في مناطق عاشت أشكالاً مختلفة من الاحتقان السياسي إلى ما كان عليه عشيّة انتشاره؟

والواقع، أن تجميد الوباء لحركة وحراك الناس لا يقتصر على حقل سياسي محتقن في هذا البلد أو ذلك، بل ويمكن أن يتجلى في مناطق النزاع المُسلّح، أيضاً. ففي اليمن الذي يحتدم فيه الصراع المُسلّح على جبهات مختلفة، منذ استيلاء الحوثيين، قبل خمس سنوات، على العاصمة صنعاء، تتسارع في الوقت الحاضر، بشكل لافت، محاولات "التبريد"، والتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار يُمهّد الطريق لتسوية سياسية بالمفاوضات.

وما تقدّم ينسحب، أيضاً، على الشمال السوري، الذي كان مرشحاً عشيّة تفشي الوباء، لاندلاع مجابهات عسكرية واسعة النطاق، ومتعددة الأطراف، خاصة بعد التصريحات النارية التي أطلقها الرئيس التركي أردوغان حول تقدّم القوّات النظامية السورية في إدلب. ومن الواضح أن خطر الوباء قد "أقنع" مختلف اللاعبين، بصرف النظر عن نواياهم، بضرورة تفادي التصعيد، في الوقت الحاضر على الأقل.

يمكن العثور على شواهد إضافية في الإقليم، ومناطق أُخرى، للتدليل على أولويات اجتماعية وسياسية جديدة فرضها الوباء. ولا يعرف أحد، بالتأكيد، تأثير الحساسية الجديدة، التي فرضها الوباء على حركة وحراك مختلف القوى المكوّنة للحقل السياسي، في العالم العربي، والإقليم، والعالم بشكل عام. كيف سيؤثر هذا كله، في المدى المتوسط والبعيد، على السلم الأهلي، وطريقة حل النزاعات بالعنف أو المفاوضات؟

بمعنى آخر، لا تقتصر أسئلة ما سيكون عليه العالم بعد الوباء على العلاقات الدولية، والاقتصاد، واستثمار الموارد، وإدارة الأزمات، بل تشمل أيضاً علاقات القوى المكوّنة للحقل السياسي في مختلف البلدان، في الشرق والغرب على حد سواء، مع ملاحظة الترابط العضوي بين التحوّلات المحتملة على صعيد العالم من ناحية، وما سيطرأ من تحوّلات على علاقات القوى في هذا البلد أو ذاك، من ناحية ثانية.