سيدة أمام شاشة تعرض انتشار كورونا حول العالم (أرشيف)
سيدة أمام شاشة تعرض انتشار كورونا حول العالم (أرشيف)
الثلاثاء 21 أبريل 2020 / 19:33

هستيريا الوباء

وراء اللهاث خلف إحصاءات ضحايا فيروس كورونا والمناكفات التي أحدثها الوباء بين الأقطاب الدولية المتصارعة، مفارقات تحدث في المنطقة، وقلما يجري التوقف عندها رغم مساس دلالاتها بعصب الذهنية التي أدارت ولا تزال تدير الحياة اليومية في بلادنا وجوارها.

غاب عن أذهان المندفعين وقوف الكوكب على أطراف أصابعه في مواجهة كارثة تهدد أرواح الملايين في مشارق الأرض ومغاربها وامتلاك الرأسماليات المأزومة أدوات تجديد نفسها مما يجعلها الأوفر حظاً في العثور على مخارج

بين هذه الدلالات الاستخفاف بالجائحة في بداياتها والذهاب بالوهم إلى سهولة استخدامها بدلاً من مواجهتها كما فعل مسؤول فلسطيني في رام الله حين دعا الجامعات، ومراكز البحث الفلسطينية إلى العمل على إيجاد اللقاح والعلاج للفيروس، واكتشف بعد أقل من أسبوعين حاجة السلطة إلى تدخل مخابراتها لجلب شرائح فحص الإصابات.

جنوح بعض الأنظمة إلى التكتم على الوضع الداخلي، وإخفاء ما يدور في البلاد عن أهلها والعالم، دفعها إلى إنكار وجود الوباء في البداية، واضطرها بعد بيانات منظمة الصحة العالمية إلى محاولة توظيفه واستخدامه سلاحاً لادانة خصومها الدوليين.

أخذت المفارقة شكلاً آخر مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي أدرك خطورة الوباء، بعد تزايد الإصابات والوفيات في بلاده، وقد يكون إدراكه المتأخر سبباً في الصدمة التي دفعته إلى اللجوء لاجترار الشعور القومي واعتبار أن تركيا أكبر من الوباء، وكأنه يواجه عدواً يمكن رؤيته بالعين المجردة، والاشتباك معه بأدوات الحروب التقليدية.

محدودية التفكير شجعت البعض على التعامل مع تحدي الفيروس باعتباره فرصة للخروج من أزمات ومآزق اقتصادية طاحنة دون أي اعتبار للمناخات، والظروف المحددة لمآلات الاقتصاد العالمي، في زمن الوباء وما بعده.

رأى بعض التيارات والقوى السياسية في كورونا، فاتحة لأفق يتمثل في انهيار أقطاب دولية وصعود أخرى، دون تفكير جدي في الرعب الذي يجتاح الكوكب، وعذابات المصابين، والفقر الذي ينتظر القطاعات الأوسع من البشر.

غاب عن أذهان المندفعين وقوف الكوكب على أطراف أصابعه في مواجهة كارثة تهدد أرواح الملايين في مشارق الأرض ومغاربها، وامتلاك الرأسماليات المأزومة أدوات تجديد نفسها ما يجعلها الأوفر حظاً في العثور على مخارج وفرض أمر واقع قد يكون أكثر قسوة على دول الجنوب مما حدث بعد الحرب العالمية الثانية، أو في نهايات الحرب الباردة.

وفي ظل الحسابات الضيقة تتراجع ضرورات التعاون غير المشروط بين الشعوب والحكومات، للقضاء على وباء لا يرحم، لتحل محلها المراهنة على مشاريع أقطاب تحرص على تحسين شروطها في النظام الدولي، وتتجنب طرح نفسها بدائل للقطب الوحيد.

تأخذ ايحاءات مثل هذا الأداء مناحٍ عدة بينها تضخم الذات إلى الحد الذي لا يترك مساحة لتقدير المخاطر وتكريس النزعات القومية على حساب البعد الإنساني، والكشف عن محدودية التفكير، والتدبير والعجز عن قراءة المستقبل، والتماهي مع حالة التوحش الرأسمالي، وفقدان أنماط التفكير لروح الشرق وأثرها المفترض على الثقافات ما يعني خسارة المعركة مع الوباء منذ بداياتها.