ملصق مسلسل الاختيار (أرشيف)
ملصق مسلسل الاختيار (أرشيف)
الثلاثاء 5 مايو 2020 / 20:39

مسلسلات رمضان في زمن كورونا

شهر رمضان 2020 لا يشبه أيّ رمضان آخر عاشه أي إنسان آخر يحيا فوق هذا الكوكب على مدى القرون السابقة. وكذلك مسلسلات رمضان هذا العام، لا تشبه مسلسلات أي رمضان مضى منذ ميلاد التلفزيون المصري في مطلع الستينيات من القرن الماضي.

تثبت "نيللي كريم" في مسلسل "بـ ١٠٠ وش" أنها فنانة من طراز فريد. مرونةُ أدائها وتبدله بين مختلف الشخصيات، يشبه مرونة جسدها الرشيق وهي ترقصُ باليه جيزيل على خشبة الأوبرا

رمضان هذا العام، في زمن كورونا، هو الأقل حظاً من جميع ما سبقه من رمضانات، من حيث حرمانه من موائد الرحمن الدافئة، والأمسيات الرمضانية المبهجة التي يسهر فيها الناسُ خارج بيوتهم حتى مطلع الفجر، ولا يعودون إلا بعد تناول السحور حول مسجد سيدنا الحسين، أو الجامع الأزهر الشريف، أو مقاهي خان الخليلي العتيقة، أو مطاعم حي السيدة زينب، أو جوار مقام السيدة نفيسة، وغيرها من المعالم التي جعلت رمضان في مصر له نكهة مختلفة، من أجلها يحج الناسُ إليها من كل صوب.

كذلك يفتقرُ رمضان هذا العام إلى التزاور العائلي ولقاءات الأصدقاء وأسمارهم، ويفتقد موائد "إفطار المحبة" التي تجمعنا بأشقائنا المسيحيين بجميع طوائفهم، حين يقيمون لنا كل عام إفطارات وسحورات جميلة لسانُ حالها يقول: "الدينُ لله والمحبة للجميع".
 
حتى الطرقات والشوارع لم تكد تبتهج بالزينات والفوانيس التي اعتاد أطفال كل حي على تعليقها بين الشرفات حتى يبتهج شهر رمضانَ بنا مثلما نبتهج به.

أما شوارع مصر ونواصي طرقاتها فقد حُرمت هذا العام لحظة آذان المغرب من شباب المسيحيين الكرماء يمنحون المارة الصائمين أكياس التمر، وقوارير الماء البارد ليكسروا صيامهم، إذا فاجأهم مدفع الإفطار قبل عودتهم إلى بيوتهم. ما أقلّ حظ رمضان في زمن كورونا!

على النقيض من ذلك، فإن مسلسلات رمضان هذا العام هي الأوفر حظاً من مثيلاتها على مدى الأعوام الستين الماضية. فمكوث الناس في بيوتهم بسبب حظر التجوال، جعلهم يشاهدون تقريباً كل المسلسلات، الجيد منها والمتوسط، والرديء كذلك من باب حرق الوقت، وانعدام النشاط خارج البيت. أكتب لكم هذا المقال وأنا نفسي لا أصدق أني لأول مرة في حياتي أشاهد سبعة مسلسلات يومياً! سابقة في حياتي لم تحدث من قبل.

دعوني في عجالة أكتب كلمة سريعة عن بعض ما أتابع.

الاختيار
هو العمل "العمدة" هذا العام. جمع مسلسل الاختيار، شملَ الأسرة المصرية والعربية حول أحداثه. فلا يكاد بيت في مصر لا يشاهده. أحب المصريون هذا المسلسلَ بقدر ما يحبون الجيشَ المصري العظيم. وأظن أن الحال لا يختلف عن ذلك في كل بيت عربي في جميع أرجاء العالم العربي، بالطبع ما عدا الدويلة التي تحقد على مصر وتكيدُ لها.

في كل عائلة مصرية يوجد فرد أو أكثر كان جندياً أو ضابطاً أو قائداً في جيشنا الباسل، أو مازال. وكل شارع أو حيّ أو قرية في مصر تعرف شهيدًا أو أكثر من شهداء جيش مصر النبلاء. لهذا فإننا، نحن المصريين، نشاهد مسلسل الاختيار، كأنما نشاهدُ أنفسنا، وتاريخنا، وحاضرنا بعيون وطنيتنا في مرآة الوطن.

تعلمنا الأحداث والسيناريو كيف نقارن بين الضابط النبيل، والإرهابي الخسيس. بين الجندي الشريف، وبين الارتزاقي خائن الوطن. عمل ممتاز أتقن صانعوه أداءه. تحية احترام للفنان أمير كرارة على تجسيده شخصية رمز مصر الجميل، الشهيد أحمد صابر المنسي، قائد الكتيبة 103 صاعقة. وتحية احترام للفنان أحمد العوضي الذي جسد شخصية الإرهابي الخائن: هشام عشماوي.

بـ 100 وش
تثبت نيللي كريم في مسلسل "بـ 100 وش" أنها فنانة من طراز فريد. مرونةُ أدائها وتبدله بين مختلف الشخصيات، يشبه مرونة جسدها الرشيق وهي ترقصُ باليه جيزيل على خشبة الأوبرا.

حين تشاهد أداءها في المسلسل، من العسير أن تصدق أن هذه اللصة النصابة ابنةَ البيئة الحوشية التي تصبغ شعرها على نحو بدائي وتتكلم بلغة حوشية، ومفردات جليسات الأعتاب، وتحاول محاكاة الطبقة الراقية على نحو كوميدي بائس، هي في الأصل باليرينا فاتنة راقية تلقت تعليمها في روسيا وتتكلم عدة لغات، ورقصت فوق خشبات أوبرات عالمية.

كذلك النجم آسر ياسين، أتقن دور ابن الذوات، الذي جار عليه الزمن، فضاع منه المال، ولم يتبق له إلا أطلال ثراء قديم وتعليم رفيع ومسكن بالحي الراقي.

ويلتقي النقيضان على مائدة السرقة والاحتيال في أجواء كوميدية مشوقة، حتى يسترجع ابن الأصول سمات طبقته الأصليه ومجدها الضائع، وتقفزُ ابنةُ الفقر إلى الطبقة التي تحلم بها.

لعبة النسيان
تثبت الفنانة دينا الشربيني أنها منذورة للأدوار المعقدة الصعبة. في مسلسل لعبة النسيان، تلعب عدة شخصيات في شخصية واحدة، لترقص على حبال الشيء ونقيضه. هي الطيبة وهي الحاقدة، هي الزوجة العاشقة المخلصة، والخائنة المبتذلة، هي الأم الرؤوم وهي المستهترة، هي الحنون والمتكبرة.

عبر تيمة فقدان الذاكرة الجزئي، تتجول البطلةُ على خط الزمان في أثواب كثيرة متباينة، في جو من التشويق الغامض يجعلنا ننتظر حل معضلة تلك التناقضات. وبشكل شخصي، أبهرني وأسرني الطفلُ الجميل آدم وهدان بأدائه الذكي والطبيعي الآسر في ذلك المسلسل.

وللحديث بقية.