رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أمام خريطة السيادة على الضفة الغربية (أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أمام خريطة السيادة على الضفة الغربية (أرشيف)
الثلاثاء 19 مايو 2020 / 20:15

سيناريوهات كسيحة

تنتقل السيناريوهات المتداولة لحل القضية الفلسطينية إلى دائرة "العبث" و"اللامعنى" مع استمرار التجاذبات التي أعقبت الاعلان الأمريكي عن "صفقة القرن" المختلف على احتمالات تنفيذها وآثارها غير المنظورة على المنطقة.

في السياسة اليومية الإسرائيلية ما يكفي من دلالات حرص على التخلص من السكان الفلسطينيين سواء بتهجيرهم أو إيجاد مخارج سياسية و قانونية لابقائهم عمالة رخيصة لا تحظى بالمواطنة ويسهل ترحيلها عند الحاجة

أول ما يلفت النظر في حديث الاحتمالات، النهايات المأسوية لوهم الدولة الفلسطينية المستقلة الذي تعاملت معه قيادة منظمة التحرير باعتباره حتمية لتضحيات الفلسطينيين، ولم تر منذ بدايات سبعينيات القرن الماضي ضرورةً لتفكير جدي في امكانية تحقيقه أو جدوى التخلص منه.

وتتعامل بعض أطراف القيادة الرسمية الفلسطينية مع خيار السعي للدولة ثنائية القومية، الذي أشبعته النخب تحليلاً ومعاينة، باعتباره أداة ضغط على الحكومات الإسرائيلية لاجبارها على القبول بخيار الدولتين، وليس خياراً بحد ذاته ليأخذ طرحها منحى رد الفعل على الانسداد السياسي، أو توزيع الأدوار وفي أحسن الأحوال محاولة التأثير على الرأي العام الإسرائيلي.

بين هذا وذاك يتسع حضور التحذيرات المتلاحقة من دولة "الأبارتهيد" لتخويف مراكز التأثير على صناعة القرار الدولي من ظهور طبعة إسرائيلية وشيكة لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

سبق تداول هذه الطروحات خروج "الدولة الديمقراطية لكل مواطنيها" من بورصة الشعارات على إيقاع لهاث القيادة الرسمية الفلسطينية وراء قطار كامب ديفيد الذي مضى إلى وجهته غير عابئ بصخب الجدل الفلسطيني في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي.

تقليب الخيارات والتعامل معها بهذه الطريقة الكاريكاتورية نتاج رغبة القيادة الفلسطينية في إقامة دولة مهما كانت مواصفاتها، على أي جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبسط سيادتها الشكلية، وترافقت تلك الرغبة مع نجاحات متلاحقة في الاستقواء على التيار الرافض لتحويل التسوية إلى هدف نهائي لنضالات الفلسطينيين، وإشارات دولية مضللة إلى إمكانية إقامة دولة فلسطينية مختلف على مواصفاتها وقدرتها على الحياة، ولم يخل الأمر من حرص الرسميين الفلسطينيين على التكيف مع ما استقر في مخيلتهم باعتباره ممكناً إسرائيلياً وإسقاط الرغبات عليه.

الواضح من المآلات وبينها صفقة القرن وإفرازاتها المرتقبة، أن دوافع تقليب الخيارات بهذه الطريقة، كانت كافية للتعتيم على حقائق مثل ولادة ما يتم تعريفه بالمشروع الوطني الفلسطيني ميتاً في زمن القطبية الثنائية، واقتصار النظر على جوانب الشبه بين طبيعة المشروع الصهيوني ونظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، دون أخذ أوجه الاختلاف بعين الاعتبار وتجاهل عدم ممانعة الإدارات الأمريكية في مساندة الفصل العنصري في ظروف دولية أفضل من الظرف الراهن، وإمكانية تمثل دول مؤثرة مثل بريطانيا الأداء السياسي الأمريكي.

وفي حساباتها اليومية تتجاهل القيادة الفلسطينية تجاوز المخيلة الصهيونية إقامة نظام أبارتهيد أو الدولة ثنائية القومية، ففي السياسة اليومية الإسرائيلية ما يكفي من دلالات حرص على التخلص من السكان الفلسطينيين سواءً بتهجيرهم أو بإيجاد مخارج سياسية وقانونية لابقائهم عمالة رخيصة، لا تحظى بالمواطنة ويسهل ترحيلها عند الحاجة.

الاعتبارات الساقطة من تفكير القيادة الفلسطينية وذهنية استسهال تقليب الخيارات وميوعة الثوابت، دوافع إضافية لتكريس قناعة بأن صفقة القرن لم تكن نبتاً شيطانياً في خارطة متغيرات إقليمية فرخت بعضها الترجمة السياسية لحرب 1973، وأن جذور إعلان الخطة الأمريكية ممتدة إلى تربة أداء سياسي فلسطيني، أدمن الفشل وما زال محكوماً بسقوف سيناريوهات جامدة يثبت كساحها عند إسقاطها على الصراع مع المشروع الصهيوني غير المكتمل.