الطبيب النفسي النمساوي سيغموند فرويد (أرشيف)
الطبيب النفسي النمساوي سيغموند فرويد (أرشيف)
الخميس 28 مايو 2020 / 19:49

فرويد وأتباعه... المتن الفرويدي بعيداً عن هوامشه!

بعيدًا عن هذه الأسطورة الشخصية التمجيدية رأى أتباع فرويد فيه إنسانًا بسيطًا خجولاً لا يتعمد أن يحيط نفسه بهالة من العظمة، فالإعجاب يحرجه أحيانًا!

اشتغل الأكاديميّ بول روزن المتخصص في فرويد بالتحديد لمدة سنوات على كتابة سيرة غير مؤدلجة للطبيب والمحلل النمساويّ سيغموند فرويد، وهي سيرة تتسم بالصرامة المنهجية من خلال أرشفة توثيقيّة تضمّنت مائة وعشر مقابلات شفهيّة وموثّقة لعائلة فرويد وأصدقائه والدائرة المحيطة به أجراها المؤلف، وصولاً إلى مقابلات مسجلة مع من تبقى من مرضى فرويد الذين بلغوا من العمر عتياً. لقد أراد روزن أن يضع المتلقي أينما كان أمام "المتن الفرويديّ" بعيداً عن الهوامش التي تضخَّمت حول فرويد وحياته وأفكاره الخلافيّة.

كتب إرنست جونز ثلاثة مجلدات ضخمة عن سيرة فرويد بين عامي 1953 و1957، وقد عُد هذا المؤلف مصدراً تأسيسياً عن سيرة فرويد الذاتية نظراً إلى كون جونز قابل ابنة فرويد آنا. واعتمد جونز أيضاً على المساعدات التي قدّمها له عدد من المحللين النفسيين الآخرين الذين أرسلوا له مذكراتهم عن فرويد، كما أمدوه بنسخ من مراسلات فرويد وتعليقاته على المسوّدات الأولى لمخطوطاته الخاصة بالتحليل النفسي.

وعلى مدى عقود كان سيغموند فرويد بسيرته وكتاباته ونظرياته مجالاً لتأويلات متباينة؛ فقد عدّه البابا بولس السادس المصدر الرئيس للتحرّر الجنسي في العصر الحديث؛ في حين كانت نظرياته مجالاً لإعادة تفكيك وتأويل عند علماء ونقاد نفسيين منهم جاك لاكان وجوليا كريستيفا على سبيل المثال.

ويقول بول روزن مؤلف كتاب"فرويد وأتباعه"Freud and His Followers" لقد بدأتُ في خريف 1964 عقد مقابلات شخصية ولقاءات مع أكبر عدد ممكن من مرضى فرويد وتلاميذه، الذين تعرفتُ إليهم من أجل الحصول على منظور جديد بالقياس إلى ما ظهر حتى الآن عما كُتِبَ حول فرويد، لم يكن هدفي من البداية التثبت من مدى حياد جونز، وإنّما على خلاف ذلك، لأني لستُ متأكداً من قدرتي على فهم فرويد باعتبار بعدي عن تلك الأحداث التي تعود إلى ماضٍ بعيد، خشيتُ من عدم تقدير الفروق الدقيقة التي أحاطت بالكتابات المختلفة عن فرويد وعالمه".

وبعيداً عن الهوامش والأساطير المؤسِّسة التي حِيكت حول شخصية فرويد، فإن بول روزن استطاع في مؤلفه أن يكشف الأوجه المختلفة والمتناقضة ربَّما لشخصية واحدة: فرويد المغامر والجريء، والثوري في علم النفس، ورجل العلم الحذر والمطوِّر أسلوبه، والفيلسوف الاجتماعي، والمعلم والمعالج المجتهد، والبورجوازي النبيل المثقل كاهله بكثرة أعباء حياته اليومية، والمحاور البارع، والعقلاني واللاعقلاني في آن معًا.

لقد كتب فرويد في ملحق سيرته الذاتية: "سوف نتناول موضوعين خلال هذه الصفحات، قصة حياتي وقصة التحليل النفسي. إنهما يتشابكان تشابكاً وثيقاً. تظهر تلك الدراسة حول السيرة الذاتية كيف أنَّ التحليل النفسي صار يشغل حياتي بأسرها ويفترض بحق ألا تكون تجارب شخصية في أيّ شأن آخر مقارنة بارتباطاتي بهذا العلم".

لقد أفصحت هذه الكتابات عن إحساس بالتضخم في شخصية فرويد ومركزية الأنا إلى الحد الذي قارن فيه فرويد منجزه في التحليل النفسي بعمل كل من تشارلز داروين وكوبرنيكوس. ولكن بعيدًا عن هذه الأسطورة الشخصية التمجيدية رأى أتباع فرويد فيه إنسانًا بسيطًا خجولاً لا يتعمد أن يحيط نفسه بهالة من العظمة، فالإعجاب يحرجه أحيانًا!

حاول عدد كبير من الباحثين والنقاد حول العالم امتلاك "المتن الفرويدي"، وامتلاك تأويل واحد له؛ في حين أنَّ هذا "المتن" لابد أن يُقرأ فعلاً في سياقاته التي أنتجته معرفيًا وإنسانيًا. كتاب "فرويد وأتباعه" في نسخته العربيّة من ترجمة يوسف الصمعان، ومن إصدارات دار جداول اللبنانية.