رئيس حكومة الوفاق السراج ووزير الداخلية باشاغا (أرشيف)
رئيس حكومة الوفاق السراج ووزير الداخلية باشاغا (أرشيف)
السبت 29 أغسطس 2020 / 13:18

ارتباك في صفوف "الوفاق".. انقلاب فإقالة

24 - شيماء بهلول

تعرضت حكومة الوفاق الليبية إلى ضربة أربكت صفوفها، بعد أن بات وجودها مهدداً بين مطرقة المظاهرات الحاشدة التي خرجت ضد تمهيدها للتدخل الأجنبي التركي، وبين سندان محاولات انقلاب بدت أولى ملامحها بخطة دبرها وزير الداخلية باشاغا للإطاحة بفائز السراج.

وبات المجلس الرئاسي الليبي الذي يقوده فائز السراج يعيش محنة عصيبة، فالاحتجاجات الشعبية التي تطالب باستقالته وكل الأجسام السياسية الأخرى، تعني أن سلطة العمالة والخنوع لتركيا لم تعد قادرة على تمثيل الليبيين، لا في طرابلس ولا في أي مكان.



انقلاب ناعم
كشفت مصادر ليبية لموقع "الساعة 24"، أن القوة المشتركة رصدت مخططاً انقلابياً على السراج دبره وزير الداخلية فتحي باشاغا المسنود من ميليشيات مصراتة، ورئيس مجلس الدولة الاستشاري خالد المشري، بتنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين.

وقالت المصادر إن "الانقلاب على المجلس الرئاسي كان بتخطيط فتحي باشاغا وخالد المشري والإخوان، كان الهدف منه سيطرة فتحي على طرابلس وتأمينها وإدارة البنك المركزي ووزارة المالية، والسماح لجماعة الإخوان بالدخول في حوار الصخيرات بعد شهر بتنسيق أممي كممثلين عن المنطقة الغربية".

وأشارت إلى أن باشاغا كان قد وقع بروتوكولاً مع المسؤولين في تركيا قبل نحو أسبوعين، من أجل التعاون في تمرير المخطط الانقلابي، موضحة أن السراج كان يعد قرارات للإطاحة بعناصر جماعة الإخوان المسلمين الموجودين في حكومة الوفاق، بعد كشف مخططهم الانقلابي.

وأوضحت أن الإخوان أصبحوا خارج اللعبة بوجوب مخرجات حوار برلين وإعلان البرلمان الليبي وحكومة الوفاق وقف إطلاق النار، مضيفة أن سقوط باشاغا لا يعنيهم لكنهم سيخترعون لعبة جديدة لأن الحوار السياسي قريب وهم خارج الحسابات الدولية، مؤكدة أن الإخوان يريدون كرسي السراج بأي شكل.



إقالة وتحقيق
وبعد سقوط ورقة الرجل الأقوى في حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، أصدر رفيقه فائز السراج قراراً بإيقافه عن العمل وإحالته إلى التحقيق، بشأن بياناته الأخيرة "المنحازة للمتظاهرين".

ووفق بيان للمجلس الرئاسي الليبي، فإن وزير الداخلية الموقوف بتهمة محاولة الانقلاب على السراج، يخضع حالياً للتحقيق وذلك على خلفية قتل المتظاهرين، الذين استيقظ ضمير "حكومة السراج" فجأة للبحث عن حقوقهم، فيما كلفت الحكومة خالد أحمد التيجاني بتسيير مهام وزارة الداخلية في طرابلس.

وقال مصدر مسؤول بحكومة الوفاق، إن رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، قرر إلغاء زيارته التي كانت مقررة أول أمس الخميس إلى إسطنبول للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في دلالة على افتراق المصالح بين الطرفين ما دعا إلى التفاف أنقرة على ذلك بمحاولة انقلاب ناعمة.

وأضاف أن السراج بات يبحث عن وزير داخلية جديد، شريطة اتفاق قيادات مصراتة الميدانية عليه، ويبحث عن آخرين من المجموعات المسلحة، وتفكيك القوة المسلحة الموالية لباشاغا في طرابلس.

وحسب تقارير إخبارية، يبدو أن جميع الأوراق كانت مكشوفة مبكراً أمام السراج، إذ عبر عن خشيته من الانقلاب الناعم عليه في حديثه الأخير لأهالي طرابلس، إذ قال: "طالبت بانتخابات في شهر مارس المقبل وأخشى من دخول البعض في حوار سياسي وتشكيل رئاسي جديد لتعطيل موضوع الانتخابات"، في إشارة إلى غريمه فتحي باشاغا المدعوم من كتائب مصراتة والتي تعد الأقوى في المنطقة الغربية.



حالة انفلات
ومن جهته، يرى الباحث والكاتب السياسي عبد الحكيم فنوش أن ما يجري الآن تجسيد للحالة المنفلتة داخل الميليشيات وانتماءاتها، إذ يمتلك السراج ميليشياته، ولباشاغا ميليشياته.

وقال إن "ما نشاهده الآن يشير إلى الصراع على السلطة في طرابلس"، متسائلاً بشأن علاقة تركيا بالقرارات الأخيرة، مؤكداً أن تركيا تعتبر الفاعل الأساسي والمسير لدفة الحكم في طرابلس.

وأوضح أن الخلافات داخل ميليشيات طرابلس بدأت تتجلى الآن، لاسيما مع النداءات التي خرجت من الزاوية وطرابلس والتي دانت تنظيم الإخوان وسيطرته، ووصفته بمحور الشر، ووسط هذه الخلافات تخشى كل الأطراف إطاحتها من المشهد.

ونوه الباحث إلى أن الانفلات الكامل في طرابلس يطرح سؤالاً يتلخص في كيف لهذه المكونات التي تنقلب على نفسها، أن تدعي شرعية في ليبيا، أو أن تتحدث باسمها.

وتوقع مراقبون للمشهد الليبي بأن تتطور الأمور بين الميليشيات المسلحة الموالية لباشاغا والأخرى الموالية للسراج، كما لم تستبعد خروجها عن السيطرة باشتباكات مسلحة بين الطرفين والتي قد يكون من ضحاياها مدنيين، خاصة أن ميليشيات مصراتة ستحاول الانتقام لفقدان نفوذها في طرابلس بعد رحيل الرجل الأقوى لها.



طموح للحكم
وذكرت وسائل إعلام ليبية، أن فتحي باشاغا كان يطمح في أن يكون في مقدمة الحكم عبر تجهيزه لانقلاب إخواني برعاية تركيا، ليحل محل فائز السراج الذي يبدو أنه أصبح غير مرغوب فيه من قبل أردوغان.

ولفتت إلى أن كل المؤشرات تدل على أن فتحي باشاغا، وهو أحد أبناء مدينة مصراتة، يرغب وبشدة في فتح المجال أمام ميليشيات مدينته للتغلغل بشكل كبير في طرابلس، والسيطرة عليها مجدداً بدعم من مرتزقة أردوغان، وذلك على حساب باقي الميليشيات التي تنتمي للمنطقة الغربية التي تصول وتجول في العاصمة.

وأشارت مصادر إلى أن باشاغا يحلم بتنفيذ "مشروعه المصراتي"، لإعادة السيطرة على طرابلس والظهور بمظهر الرجل القوي العالم ببواطن الأمور.

وأكدت مصادر مقربة من وزير الداخلية وأحد أبرز قيادات مصراتة ذات الحضور القوي، بأنه بات مقرباً من صنّاع القرار في أنقرة وفي مقدمتهم رئيس جهاز المخابرات التركية، الذي رفض زيارة كانت مقررة أول أمس لفايز السراج يلتقي خلالها مسؤولين أتراك .

وأوضحت المصادر أن تركيا قامت باستغلال مطالب الشعب الليبي المشروعة والتي أعلنت مؤخراً في المظاهرات التي خرجت من مناطق عدة في طرابلس ضد حكومة الوفاق، حيث عمد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى دعم فتحي باشاغا وأعوانه الصديق الكبير وخالد المشري، لتنفيذ مخطط إخواني للإطاحة بالسراج من السلطة.

ويبدو أن الترتيبات تسير بشكل منظم ووفقاً لتخطيط أردوغان، حيث يدرك باشاغا تماماً ما يفعله للوصول إلى الحكم والإطاحة بالسراج، في ظل الموقف الضعيف الذي تعيشة حكومة الوفاق حالياً وما يواجهه السراج من مظاهرات تطالب بسقوطه.



حراك متواصل
وفي سياق متواصل، بات حسم مصير حكومة السراج "مسألة وقت"، وذلك بعد أن احتلت ميليشيات النواصي المسلحة التابعة لحكومة الوفاق أمس الجمعة، تقاطعات الطرق والشوارع في طرابلس؛ لمنع خروج الاحتجاجات التي بدأت قبل أيام غرب ليبيا اعتراضاً على سياسات الحكومة.

واقترب المتظاهرون من مقر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، ومن منزل فايز السراج في منطقة النوفليين، وذلك على وقع ارتفاع موجة الغضب الشعبي بعد استهداف المُحتجين برصاص الأسلحة الخفيفة والمتوسطة من قبل الميليشيات الموالية لحكومة السراج.

كما يحاول الإخوان وأتباع الغرياني من جانبهم، مواصلة محاولة اختراق الحراك الشعبي، فتراهم تارة يحاولون إبعاد الهتافات المناوئة لتركيا ومرتزقتها وحصرها في روسيا ومرتزقتها، أو بمحاولتهم الفاشلة في سرقة قيادة الحراك الذي لا قيادة له ولا بيانات ولا أي شيء.

وذكرت مصادر لصحيفة المرصد الليبية، إلى أن هذا السباق لا خيار ثالث له فإما أن يدفع باشاغا ثمن بقائه للأتراك ويتحرك بقوة وبمساندة الإخوان لإنهاء هذا الوضع في العاصمة، تليه صفقة سياسية يتحدث عنها البعض بين عقيلة والمشري يكون هو في قلبها، وإما أن يقدم السراج مزيد التنازلات والأموال والعقود التجارية والنفطية للأتراك فيبقوه في موقعه مع إصلاحات وتغييرات لتهدئة الشارع ليس من بينها إقالة باشاغا.



سلطة عاجزة
وخلال الأعوام الخمسة الماضية، كشفت سلطة المجلس الرئاسي أنها أعجز من أن ترسي أساساً للدولة ولا بأي معنى، إذ لم تتمكن من توفير الخدمات الأساسية كما لم تستطع أن تتحول إلى سلطة مؤسسات، وظلت الميليشيات فيها يتنازع كل منها على حصته فيما ظل ما يصل إلى باقي الليبيين شحيحاً وهزيلاً.

ويشكك غالبية الليبيين في قدرة السراج على تجاوز المأزق الجديد الذي دخله، باعتباره يفتقد إلى مستلزمات الصمود في هذه الفترة الاستثنائية، التي تفترض جاهزية داخلية لمواجهة التداعيات المُحتملة الناتجة عن صراعه مع باشاغا، وهو صراع مفتوح على كل الاحتمالات.

ومع ذلك، يحاول السراج في أن تكون نتائج هذا الصراع لصالحه، حيث كثف من تحركاته التي تستهدف في مجملها إبعاد شبح الانقلاب الذي أقدم عليه غريمه باشاغا بدعم من ميليشيات مصراتة والمخابرات التركية.