الأربعاء 14 أكتوبر 2020 / 14:03

الثقافة في فكر محمد بن زايد

تحتل الثقافة بمفهومها الشامل جانباً مهماً في فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، في إطار رؤيته الاستراتيجية الشاملة لمستقبل دولة الإمارات العربية المتحدة وإمارة أبوظبي. وقد عبَّر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عن جزء من هذه الرؤية بقوله خلال لقاءٍ مع الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2016: "نحن في دولة الإمارات نعتبر العلم والثقافة جزءاً لا يتجزأ من إرثنا الحضاري، ومن العملية التنموية، ومن بناء الإنسان والهوية المنفتحة الواثقة بنفسها، دون أن تتنكر لقيمها وأصالتها وتراثها".
  
وتلخص كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان السابقة وعياً شاملاً بالأبعاد المختلفة للثقافة والأدوار المتعددة التي يمكن أن تؤديها للأفراد والجماعات، وإسهامها المؤثر في العملية التنموية ككل، على اعتبار أن هذه التنمية معنية "بتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية لمساعدتها على الاندماج في حياة الأمم والإسهام في تقدمها بأفضل ما يمكن"، وفقاً لتعريف الأمم المتحدة. وبذلك فإن من المعايير التي تُقاس بها جودة العمل الثقافي هو قدرته على جعل حياة الأفراد والشعوب والأمم أفضل، وإسهامها في تحسين فرص التواصل مع العالم. ويتصل بذلك أيضاَ الدور الاقتصادي للثقافة، وقدرتها على أن تكون من بين مصادر الدخل والنمو، ولذا تستخدم اليونسكو مصطلح "الصناعات الثقافية" على السلع والخدمات والأنشطة الثقافية التي يجب تشجيعها من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبذلك تكون الثقافة أقدر على الاستمرار واستثمار عوائدها في تعزيز الإبداع وتحفيزه، بدلاً من أن تكون عبئاً يتحمل المجتمع تكلفته.

كما تعكس كلمات سموه اعتزازاً بالإرث الحضاري العربي الإسلامي، وموقع الثقافة والعلم فيه، وتقديراً لدور الثقافة في بناء هوية وطنية يشعر أصحابها بالفخر والاعتزاز بأنفسهم، دون تعالٍ أو ادعاء للأفضلية، ودون اختلاق صراع مع الحضارات والثقافات الأخرى، و انعزال عنها، بل إن من شروط الثقافة حسب هذه الرؤية الانفتاح على ثقافات العالم وحضاراته الأخرى، واحترام التنوع والاختلاف.

وهذا ما عبر عنه سموه في تصريح له بمناسبة افتتاح متحف اللوفر_أبوظبي قبل ثلاثة أعوام، حين قال: "إن رسالتنا التي نوجهها اليوم للعالم كله من خلال افتتاح هذا الصرح الثقافي والعالمي في دولة الإمارات العربية المتحدة، هي أن الثقافة كانت ولازالت جسراً للتواصل والتعارف والحوار بين الشعوب والحضارات، وليست مصدراً للصدام أو الصراع كما يتوهم المتطرفون والمتشددون". وهذه هي القيم التي تحتاج الثقافة في العالم العربي إلى وضعها في المكان الذي تستحق، لأن نزعات الكراهية والعداء التي تفاقمت في العالم العربي قد أنتجت في النهاية التشدد والتطرف والإرهاب، ولقد دفعت الشعوب والدول العربية ثمناً باهظاً لذلك.

تنعكس الرؤية الخاصة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في أنه جمع بين "الثقافة والعلم"، حيث يؤكد سموه على الارتباط بينهما، ويمكن أن نرى ترجمة واضحة لهذه الرؤية المتسعة للثقافة في المحاضرات التي تُعقد في مجلس سموه منذ سنوات، حيث يحتل فيها العلم والتطبيقات التكنولوجية موقعاً بارزاً، وبقدر ما نجد فيها حضوراً للقضايا الفكرية نجد حضوراً ملحوظاً لموضوعات في الطب والكيمياء والفيزياء والهندسة الحيوية والطاقة المتجددة وعلوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي. وهذا التصور يُعيد الثقافة إلى معناها الحقيقي الذي يشمل المعرفة في كل المجالات، ولا يقتصر على الإبداع الأدبي والفني على النحو الذي أصبح سائداً الآن.
  
إن الثقافة ليست ترفاً في فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، بل هي عنصر مهم في تكوين الفرد والارتقاء بقدراته، وكل حدث ثقافي ينبغي استثماره في هذا الإطار، وهذا ما أشار إليه سموه، حين أكدّ أن "معرض أبوظبي للكتاب، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، يجسدان مع بقية الفعاليات والمؤسسات الثقافية في الدولة إدراك دولة الإمارات العربية المتحدة، بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، القيمة الحقيقية التي يمثلها العلم والمعرفة في المجتمع، ودورهما الحيوي في إعداد العنصر البشري، وفي بناء المستقبل، من خلال تطوير الفكر، وتوسيع الوعي لمواكبة المتغيرات واستشراف التحديات".

ويقف صاحب السمو الشيخ محمد زايد آل نهيان، وراء التطور الهائل الذي شهده العمل الثقافي في دولة الإمارات وفي إمارة أبوظبي، والمشروعات الثقافية الكبرى التي جعلت من الدولة وعاصمتها مركز الثقل في العمل الثقافي العربي، وصاحبة التأثير الأكبر فيه، وأصبحت الدولة وعاصمتها المتألقة قبلة المثقفين والمفكرين والمبدعين العرب في كل المجالات، يجدون فيها المجال الرحب والأرض الخصبة التي تسمح للأفكار الخلاقة بالنمو والنجاح، ويلقون فيها الاهتمام والاحتفاء والتقدير.

إن دعم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للقراءة نابع من رؤيته الحكيمة لأهمية القراءة في حياة الجميع، فهو قارئ من الطراز الأول، لا تشغله مسؤولياته الجسام عن المتابعة الدقيقة لما يُكتب ويُنشر في العالم العربي وفي العالم بأسره، وهو حريص على نقل هذا الشغف بالقراءة للجميع، وهذا ما عبّر عنه في تغريدة نشرها بمناسبة معرض أبوظبي الدولي للكتاب سنة 2018، جاء فيها: "القراءة رافد من روافد المعرفة وسعة الاطلاع، ودورنا هو توثيق صلة اﻷجيال بها، نريدهم رواداً في مختلف العلوم.. نتطلع إلى صناعة علماء وأجيال تقود المستقبل، لذا وجهنا بتخصيص 6 ملايين درهم لشراء كتب قيمة من معرض أبوظبي الدولي للكتاب لرفد المكتبة المدرسية". تلك هي نظرة سموه العميقة للقراءة والمعرفة، نظرة تُترجم كل يوم إلى خطوات عملية، ونلمس صداها في مجتمع الإمارات بوضوح وجلاء، فلا عجب بعد ذلك أن تحظى الإمارات، وأبوظبي في قلبها، بهذه السمعة الدولية في مجال الفكر والثقافة.