متظاهرة ترفع لافتة للمطالبة بوقف قتل السود في أمريكا (أرشيف)
متظاهرة ترفع لافتة للمطالبة بوقف قتل السود في أمريكا (أرشيف)
الجمعة 7 مايو 2021 / 12:34

لماذا يكرهون الأقليات

جعفر عباس- أخبار الخليج

في جميع قارات العالم هناك أقليات مكروهة، ويكون ذلك في غالب الأحوال، لأن تلك الأقليات تسيطر على السلطة والثروة، بينما الأغلبية مهمشة، ولهذا فالصينيون مكروهون في إندونيسيا، والفلبين، وماليزيا، والبيض ذوو الأصول الإسبانية والبرتغالية، مكروهون في أمريكا الجنوبية. واللبنانيون في غرب إفريقيا، لا يتجاوز عددهم بضعة آلاف، ولكنهم تعرضوا لهجمات واعتداءات عنيفة من سكان دول المنطقة، لأنهم سبقوا غيرهم في اكتشاف المعادن الثمينة هناك، وكعادة فاحشي الثراء، فقد أقاموا علاقات قوية مع أنظمة الحكم الفاسدة في غرب إفريقيا، فكان أن صاروا مكروهين أكثر من غيرهم.

وفي كينيا، وأوغندا، جاء الهنود في معية الاستعمار البريطاني، وطاب لهم المقام، فوجدوا فيها بلدانا متخمة بالمواد الخام، والتربة الخصبة، والماء الوفير، وأسواقا تفتقر إلى أبسط السلع الاستهلاكية، فقاموا بالتكويش على قطاعات الزراعة، والصناعة، والسياحة، والصيرفة، فحق عليهم غضب الأغلبية الإفريقية الفقيرة، بدرجة أن ديكتاتور أوغندا الراحل إيدي أمين، أصدر قراراً غير مسبوق، بطرد الهنود من بلاده في غضون شهر واحد مع مصادرة ممتلكاتهم، فتزاحم عشرات الآلاف من الهنود في المطارات والموانئ لمغادرة أوغندا طلبا للسلامة، لأن كل من تلكأ في مغادرة ذلك البلد، غادر الحياة بالفؤوس والسكاكين والعصي.

وتعالوا ننظر حالة دولة مثل الولايات المتحدة، فرغم أنها "دولة عظمى" ونصبت نفسها وصية على الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أنها أكثر دولة مكروهة على مستوى كوكب الأرض، وإذا كانت هناك كائنات حية في الكواكب التي مارس فيها الأمريكان التلصص، فلابد أنها حرصت على الاختفاء عن عدسات كاميرات المركبات الفضائية والمكوكات الأمريكية، حتى لا يستنتج الأمريكان أنها كواكب تصلح لإقامة بني البشر.

ودعك من الأمريكان، وهم أمة تشكلت من مغامرين وهاربين من التنكيل، المسيحيون البروتستانت واليهود نموذجا، بنوا مجدهم على جماجم سكان البلاد الأصليين، الذين صاروا يعرفون بالهنود الحمر، بينما هم لا هنود ولا حمر، دعك من كل ذلك، فكل الشواهد تؤكد أنه حتى حلفاء أمريكا في أوروبا يكرهونها، وهل قام الاتحاد الأوروبي إلا لتشكيل كتلة قوية تقابل أمريكا على الشاطئ الآخر من المحيط الأطلسي؟ وهل تم طرح عملة أوروبية موحدة اليورو، إلا ترياقاً مضاداً للدولار الأمريكي، العملة التي تقاس في ضوئها قيمة سائر عملات العالم وسلعه الأساسية ومواده الخام؟

نجحت أمريكا بالتخطيط الاستراتيجي وسياسة النفس الطويل، في تدمير منافسها الأوحد الاتحاد السوفييتي، وصارت المُصَدر الأكبر لديمقراطية السوق وما يسمى بالعولمة، وكان هدفها الذي حققته من وراء ذلك تحطيم وتفكيك الدول الضعيفة، أو جعلها مجرد منتج للمواد الخام وسوق للسلع الأمريكية، فكان أن أنشأت البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، ثم سيطرت على تقنية المعلومات، ولا يوجد في عالم اليوم شخص لا يتعامل مع مايكروسوفت أو أبل، أو أمازون أو فيس بوك.

وبعد بسط سيطرتها على أسواق المال والسلع والخدمات والمعلومات، كان من السهل عليها أن تسيطر على العالم لغويا، بدرجة أن الناس يحسبون أن الولايات المتحدة، وليس بريطانيا هي مسقط رأس اللغة الإنجليزية، وشيئا فشيئا سيطر الأمريكان على أذواق الناس في كل القارات، فصار مايكل جاكسون أشهر من ماو تسي تونغ في الصين، وليدي غاغا أشهر من غاندي في الهند، وما من عاصمة كبرى في العالم إلا وسعت لاقتناء نسخة من مدينة ديزني أمريكية المولد والنشأة.

كل هذا وعدد الأمريكان أقل من ثلث عدد سكان الهند، أي أن الأمريكان أقلية وسط أكثر من ستة بلايين شخص في عالم اليوم، وبالتالي فهم مكروهون، لأن ما بأيديهم من مال، وسطوة، وقوة لا يتناسب و"حجمهم الإحصائي"، وقد تكون كراهية مختلف الشعوب للولايات المتحدة مبررة، ولكنها كراهية لا تخلو من حسد، كيف ينجح شعب هجين لم يتشكل بعد كأمة في تسيد الساحة الدولية ونحن بنينا سور الصين العظيم، وشيدنا حدائق بابل المعلقة، وبنينا الأهرامات ودهنا الهواء دوكو؟