عناصر من "طالبان" يؤدون الصلاة في كابول.(أف ب)
عناصر من "طالبان" يؤدون الصلاة في كابول.(أف ب)
الجمعة 12 أغسطس 2022 / 17:35

ناشونال إنترست: "طالبان" بين "القبول بتسوية" أو"الحرب الأهلية"

لفت مدير مركز الدراسات الأفغانية في جامعة الديبلوماسية والاقتصاد العالمي أكرم عمروف إلى أن سهولة إطاحة حركة طالبان بأشرف غني من الحكم نشرت وهماً عن قوتها وجاهزيتها للسيطرة الكاملة على البلاد.

طالبان التي دفعها موقفها غير التسووي وعقيدتها المتطرفة إلى عزلة دولية لا يمكن استبعادها من هذا المسار

توقع المجتمع الدولي أن تعمل طالبان على تحقيق الاستقرار في أفغانستان وتزيل التحديات الأمنية مثل الإرهاب والاتجار بالمخدرات. لكن الغارة الأمريكية على زعيم القاعدة أيمن الظواهري في كابول تثير تساؤلات عن صدقية ونزاهة الحركة.

كتب عمروف في "ناشونال إنترست" أنه خلال الفترة التي أعقبت وصول طالبان إلى الحكم، واجهت المجموعة عدداً من المشاكل الداخلية الجدية حول التواصل مع الشركاء الخارجيين وصعود القومية البشتونية وغياب قدرتها على تحقيق الاستقرار في نظام إدارة الدولة.

خلافات حول المناصب والتوجهات
أولاً، منذ لحظة استيلاء طلبان على السلطة، كانت هناك صدامات ممنهجة داخل المجموعة حول قيادتها. في عملية توزيع مناصب بارزة في الدولة، تواجه طالبان صداماً خطيراً بين فصائل مختلفة. بالرغم من النجاح السابق للملا عبد الغني بارادار في قيادة طالبان، تم تخفيض رتبته إلى منصب ثانوي كنائب لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية. في الوقت نفسه، يتمتع نائب رئيس الوزراء للشؤون السياسية مولوي عبد الكبير بسلطة واسعة وثقة القيادة العليا. كنتيجة للنفوذ المتزايد في السلطة للفصائل الراديكالية والآيديولوجية تجاه حقوق المرأة والوصول إلى التعليم والحريات العامة، لم تتوصل الحكومة الأفغانية الجديدة إلى تسوية مع المجتمع الدولي.

يرأس مجموعة المحافظين ضمن طالبان زعيم الحركة هيبة الله أخوند زاده؛ وهنالك أيضاً رئيس الوزراء الملا حسن أخوند، وكبير القضاة في المحكمة الإسلامية المركزية عبد الحكيم حقاني والعمدة كابول ندا محمد نديم. على الضفة الأخرى، من بين القادة الأكثر اعتدالاً الملا بارادار ووزير النفط شهاب الدين ديلاوار ونائب وزير الخارجية شير محمد عباس ستانيكزاي. في الوقت نفسه، ثمة وجوه مؤثرة عدة في طالبان مثل وزير الداخلية سراج الدين حقاني ووزير الدفاع الملا محمد يعقوب وهي تحاول المناورة بين المعسكرين المتعارضين من دون الانضمام إلى أي منهما.

الخلافات الإثنية
ثانياً، برز اتجاه واضح في الأشهر الأخيرة داخل طالبان لتوسيع دور القومية البشتونية بشكل كبير. بينما تمكنت طالبان سابقاً من تجنيد الأوزبيك والطاجيك والهزارة لتعزيز أهدافها، لا تزال الرؤوس البشتونية الراديكالية نفسها التي حكمت البلاد في التسعينات هي المهيمنة على الحركة وترفض التسوية حول الآيديولوجيا وتوازن القوى. لو تمكنت طالبان من إيجاد صيغة لتوحيد هذه الفصائل فستكون قادرة على تعزيز النظام وإلا فسيضعف هذا الاتجاه قبضة الحركة على البلاد وقد يشجع المجموعات غير البشتونية على معارضة الحركة بشكل علني.

وحسب عمروف، إن واحداً من أهم العوامل في نجاح طالبان الصيف الماضي هو انضمام مجموعات أوزبكية وطاجيكية إليها في شمال أفغانستان مما حيد عملياً أي مقاومة لأمراء الحرب المحليين والقوات المسلحة في كابول. لكن في الأشهر الأخيرة، تعرض المسؤول في طالبان من أصول أوزبكية مخدوم علم للاضطهاد. وفي مارس (آذار)، تم تعيين حاج مالي-خان، وهو عم سراج الدين حقاني، في منصب نائب رئيس القوات المسلحة الطالبانية لمراقبة القائد الطاجيكي للقوات المسلحة كاري صلاح الدين أيوبي.

وبرز أيضاً تصاعد في التوترات بين الحركة وأقلية الهزارة الإثنية في أفغانستان. علاوة على سلسلة من الهجمات الإرهابية الموجهة ضد هذه المجموعة الإثنية، تعرض بعض الهزارة المتعاونين مع طالبان إلى اضطهاد غير مبرر وفقاً لعمروف. إذا لم تتمكن قيادة الحركة من إيجاد طريق داخلي لحل المشاكل الإثنية فقد ينضم عدد جوهري من أفراد طالبان ذوي الجذور غير البشتونية إلى مجموعات المقاومة أو المنظمات الإرهابية المتمركزة في أفغانستان.

لماذا فشلت في الحكم؟
ثالثاً، تابع الكاتب، بالرغم من مرور سنة على استلامها الحكم، فشلت طالبان في إثبات قدرتها على حكم البلاد بفاعلية. كان لطالبان دوماً نظام حكم غير مركزي بما أنها حركة تهيمن عليها هرمية أفقية. تحركت قوات طالبان على الأرض ضمن إطار استراتيجية وحيدة وافقت عليها القيادة. لكن في الوقت نفسه، كانت لديها استقلالية ملحوظة على مستوى اختيار التكتيكات لتحقيق أهدافها وقد حددت بشكل مستقل مهماتها العملانية الخاصة. جذب نهج الإدارة هذا مروحة واسعة من المتشددين المعارضين للرئيس أشرف غني وساعدوا طالبان على تحقيق أهدافها.

منذ استيلائها على السلطة في أغسطس الماضي، كانت طالبان تحاول بناء نظام حكم شديد المركزية عبر تعيين قادة محليين من كابول وغالبيتهم من جذور بشتونية وتأسيس هرمية عمودية متصلبة. لكن هذه القرارات كسرت توازن القوى الموجود بين قادة محليين والقيادة العليا. من خلال إعادة توزيع الموارد كنتيجة لهذه التغييرات ونقل القادة إلى أماكن بعيدة في البلاد وملء المناصب الشاغرة بالبشتون، غيرت طالبان توازن القوى بشكل راديكالي داخل الحركة وأضعفت قدرتها بشكل بارز على التحكم بمجريات الأحداث في المحافظات.

لن تتخطاها في أي وقت قريب
بشكل عام، كان هنالك انقسام بارز في مختلف الاتجاهات داخل طالبان خلال الأشهر الأخيرة. إن الصدام المتزايد بين فصائل مختلفة بشأن قضايا متصلة بالاستراتيجيا والآيديولوجيا والتعاون مع العالم الخارجي ودمج مجموعات إثنية من غير البشتون في مناصب قيادية عوامل تضعف سلطة طالبان مما يجعل الانقسام في صفوف الحركة محتملاً بشكل متزايد. تواجه حكومة طالبان تحديات ممنهجة تحت هذه الظروف ومن غير المرجح أن تتخطاها في المستقبل القريب.

ويتوقع الكاتب أن يزيد هذا الخلاف حدة الصراع بين الفصائل المختلفة داخل الحركة. إذا أصيب اللاعبون الخارجيون المؤثرون بخيبة أمل بسبب عدم قدرة طالبان على حل التحديات التي تواجه البلاد فقد يزداد دعم القوات المعارضة بشكل بارز. بالتالي، قد يؤدي ذلك إلى جولة جديدة من حرب أهلية واسعة النطاق تقوم على مواجهة بين إثنيات مختلفة.

حل محتمل
إن طالبان التي دفعها موقفها غير التسووي وعقيدتها المتطرفة إلى عزلة دولية لا يمكن استبعادها من هذا المسار. عبر الانخراط في حوار مفتوح وشفاف مع العالم الخارجي وعبر تقديم ضمانات أمنية إلى الدول المجاورة والتعاون الحسن النية في مكافحة الإرهاب كما عبر تعزيز الروابط التجارية مع دول أخرى، قد تكون طالبان قادرة على تخطي تحدياتها وتصبح أفغانستان دولة كاملة العضوية في المجتمع الدولي.