طلاب يعتصمون في طهران ضد سلمان رشدي (أرشيف / غيتي)
طلاب يعتصمون في طهران ضد سلمان رشدي (أرشيف / غيتي)
الإثنين 15 أغسطس 2022 / 10:32

الخميني لم يقرأ "آيات شيطانية".. قصة الفتوى التي عزلت إيران

في 1989 أصدر المرشد الأعلى الإيراني آنذاك، آية الله الخميني، فتوى دينية تدعو إلى قتل البريطاني سلمان رشدي بعد نشر كتابه، "آيات الشيطانية" التي كان ينظر إليها على أنها "تكفير، تدنيس، وإهانة للدين الإسلامي".

ولكن الكاتبة روبن رايت تقول في تقرير لها بمجلة "ذا نيويوركر" الأمريكية أن الخميني لم يقرأ قط كتاب رشدي، بناء على أحاديث نقلها ابنه أحمد الخميني في أوائل التسعينيات إلى رايت، ولكنه أصدر فتواه الشهيرة بإطار استغلال سياسي للغضب المتفجر آنذاك في باكستان والهند وغيرها من البلدان تجاه الكاتب الذي يتناول سيناريوهات خيالية تجديفية لحياة النبي محمد.

ووفق التقرير، فإن إيران كانت آنذاك تخرج من تحديات وجودية، لاسيما بعد حرب استمرت 8 سنوات مع العراق أسفرت عن نحو مليون قتيل، تزامناً مع استياء داخلي واسع، وخلافات عميقة بين رجال الدين حول طريقة إدارة البلاد، إلى جانب اقتصاد ضعيف قائم على ترشيد قاس للمواد الأساسية من طعام ووقود، إلى عزلة دبلوماسية.



تغطية الإخفاقات
وترى رايت أن الخميني غالباً ما حاول الاستفادة من القضايا التي تصرف النظر عن المواضيع التي تتعلق بإخفاقات "الثورة الإسلامية" والانشقاقات التي كانت يعيش فيها النظام الإيراني.

شكل استيلاء الطلاب على السفارة الأمريكية في طهران عام 1979، وسيلة له لرسم مستقبل البلاد بعد الأشهر التي أعقبت الإطاحة بالشاه وانقسام "الثوار" حول المستقبل السياسي لإيران ووضع الإطار اللازم لكيفية استلام رجال الدين السلطة والتي أدت بدورها إلى قتل بعضهم البعض طمعاً بالمناصب.

آنذاك، 3 طلاب من المشاركين في الاستيلاء على السفارة أخبروا رايت بأن الخطة كانت تقضي الاحتفاظ بالسفارة لمدة تتراوح بين 3 إلى 5 أيام، لكن الخميني خرج عبر الإذاعة الوطنية آنذاك مشجعاً الطلاب على البقاء داخل السفارة إلى أجل غير مسمى. وعليه أصبح الدبلوماسيون الأمريكيون الـ52 بيادق في السياسة الإيرانية، قبل أن يوافق الخميني بعد 444 يوماً على إنهاء الأزمة.



البيدق البريطاني
وترى الكاتبة أن الكاتب البريطاني رشدي أيضاً كان صدفة أحد البيادق.

فقد تجاهلت طهران رواية "آيات الشيطانية" لستة أشهر بعد نشرها، وبعد أن تحركت بلدان ذات الغالبية المسلمة لحظر الكتاب. الهند، موطن رأس رشدي، كانت أول من حظر الكتاب، في أكتوبر (تشرين الأول) 1988. ولكن لم تتحرك إيران إلا في فبراير (شباط) 1989، عندما تقاطعت الاحتجاجات المتشنجة ضد الكتاب في باكستان وسقوط العديد من الضحايا، مع دخول البلاد أزمة سياسية داخلية آنذاك.

انقسمت وقتها الدائرة المقربة من رجال الدين حول الخميني علناً مع احتفال "الثورة الإسلامية" بعيدها العاشر.



صورة قائمة على القتل
آية الله علي منتظري، خليفة الخميني المختار والرجل الذي وصفه الأخير ذات مرة بـ "ثمرة حياتي"، انتقد الحكومة لإعدامها المعارضين وفشلها في الوفاء بوعود الثورة.

مثّل التحدي الذي حمله منتظري ظهور كوادر ذي عقلية إصلاحية فضلت اعتدال السياسات الداخلية والخارجية - بحيث يمكن للجمهورية الإسلامية أن تتطور من مجتمع ثوري إلى دولة طبيعية تحترم قانون الإنسان وكذلك "قانون الله". كما سجل التاريخ أن منتظري طعن في فتوى الخميني ضد رشدي أيضاً، محذراً من أن "الناس حول العالم لديهم فكرة أن عملنا في إيران يرتكز على قتل الناس فقط".



ولكن هذا الكلام لم يمر مرور الكرام، فعمد الخميني إلى طرد تلميذه ووضعه قيد الإقامة الجبرية. بعد أربعة أشهر من صدر فتوى رشدي، توفي الخميني فجأة بسبب قصور في القلب عن عمر 68 عاماً، تاركاً إيران بأزمتين مزدوجتين: عدم وجود خليفة رسمي وفتوى تسببت في أزمة دبلوماسية وشل تجارتها الدولية، وعزلة دولية استمرت عقداً من الزمن.

وتختم رايت تقريرها بالإشارة إلى أنه بغض النظر عن دوافع المهاجم الذي طعن رشدي أو علاقته بإيران أو وكلائها، فإن الهجوم بحذ ذاته سلط الضوء على التوترات التي لا تزال تعشعش داخل العديد من التكتيكات والسياسات الثورية لدى إيران.