الأربعاء 16 أبريل 2014 / 16:56

24 يفتح ملف العلاقات السرية بين الاستخبارات البريطانية والإخوان

24 - ميسون خالد

ينشر موقع 24 على حلقات ابتداء من اليوم الأربعاء، ملف العلاقات السرية بين الاستخبارات البريطانية وجماعة الإخوان المسلمين، منذ نشأتها، مروراً بصعودها السياسي، وحتى انهيارها، كما كشف عنها كتاب "علاقات سرية: تواطؤ بريطانيا مع الإسلام الراديكالي".

سعت الحكومات البريطانية، سواءً العمالية أو المحافظة بحثاً عن ما يسمى "المصلحة القومية"، للتواطؤ لعقود من الزمن مع القوى الإسلامية الراديكالية، بما فيها التنظيمات الإرهابية، لخدمة مصالحها الخارجية السياسية، لذا فإن أي تهديد لبريطانيا اليوم هو ليس مجرد "رد فعلي عكسي"، نظراً لأنها أسهمت بنفسها، تاريخياً، في تطور الإرهاب العالمي

جاء أول اتصال مباشر معروف بين مسؤولين بريطانيين والإخوان المسلمين حدث عام 1941، في وقت اعتبرت فيه الاستخبارات البريطانية أن جمهور أتباع التنظيم وخطط التخريب ضد البريطانيين "أشد المخاطر على الأمن العام" في مصر، وبحلول عام 1942 كانت بريطانيا قد بدأت بتمويل الإخوان المسلمين

وكان استخدام الإسلام المتشدد من قبل الغرب منتشراً، لا سيما في وقت الحرب الباردة، وفي معظم الحالات كانت الغاية منه زعزعة الأنظمة الشيوعية، لكن الهدف كان يتغير أحياناً ليشمل التخلص من القادة الذين اعتمدوا سياسات يسارية تشكل خطراً على النفوذ والمصالح الغربية

أعاد التحقيق الذي أعلنت الحكومة البريطانية فتحه، حول أنشطة الإخوان في المملكة المتحدة، فتح ملف العلاقة بين بريطانيا والحركات الإسلامية المتطرفة، ولاسيما الإخوان المسلمين، حيث رأى بعض المراقبين أن لندن، بهذه الخطوة، لا تريد تكرار أخطاء الماضي، حين تحولت إلى حاضنة لهذه المنظمات، حتى باتت تصعب السيطرة عليها.

وبصرف النظر عن خفايا الموقف البريطاني راهناً، إلا أن العلاقة العميقة بين المؤسسة الأمنية والاستخباراتية وحتى السياسية البريطانية، والإخوان المسلمين، كانت موضع بحث وتدقيق على مر السنوات الماضية، وازدادت سخونةً بعد تفجيرات لندن عام 2005، ومن أبرز الجهود المبذولة في هذا الإطار ما قام به المؤلف البريطاني مارك كيرتس في كتابه الصادم "علاقات سرية: تواطؤ بريطانيا مع الإسلام الراديكالي"، ليطرح قصة علاقة بريطانيا بالإخوان، منذ بداياتها في أربعينيات القرن الماضي وحتى وقتنا الراهن، والأساليب والسياسات التي ارتكزت عليها، وأسباب كل من الطرفين للتعاون مع الآخر.

يشرح كيرتس بصورة تفصيلية مساعي الحكومات البريطانية المتعاقبة، سواءً العمالية أو المحافظة بحثاً عن ما يسمى "المصلحة القومية"، للتواطؤ لعقود من الزمن مع القوى الإسلامية الراديكالية، بما فيها التنظيمات الإرهابية، خدمة لمصالحها الخارجية السياسية، لذا فإن أي تهديد لبريطانيا اليوم ليس مجرد "رد فعلي عكسي"، نظراً لأنها أسهمت بنفسها، تاريخياً، في تطور الإرهاب العالمي، كما يرى الباحث.

منفعة متبادلة
بطبيعة الحال، لم يكن عمل الحكومة البريطانية مع تلك القوى الإسلامية المتطرفة بسبب موافقتها لهم وإنما لأنهم "كانوا مفيدين لها في لحظات معينة"، ويبدو أن الجماعات الإسلامية تعاونت مع بريطانيا لـ "الأسباب النفعية ذاتها، ولأنهم يشتركون مع البريطانيين في الكراهية نفسها تجاه النزعة الوطنية أو ضدّ كل تيار آخر يحقق الشعبية الوطنية".

علاقة بريطانيا بالإخوان موغلة في القدم، حيث ترجع جذور تواطئها مع قوى الإسلام الراديكالي، في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى إلى سياسات الحقبة الإمبراطورية، إلا أن بريطانيا سعت لتكون "صديقةً للإسلام" منذ 1914 تحديداً، حيث راحت تدافع عن الخلافة الإسلامية "حتى وإن كانت خلافة احتلال وضرورة" لبسط نفوذها.

ولم تتوقف بريطانيا عند هذا الحد، سعياً لأخذ زمام المبادرة وإعادة تأكيد وجودها في آسيا، حيث قدمت الدعم السري للفصائل الإسلامية التي واجهت النظام السوفييتي الجديد، وبعد سنة من قيام الثورة الروسية، فيأغسطس (آب)  1918 )، أرسلت بريطانيا جيشها إلى داخل آسيا الوسطى للقتال إلى جانب رجال القبائل التركمانية والحكومة المتمردة في عشق آباد، عاصمة تركمانستان في الوقت الحاضر، ضد القوات البلشفية المتحركة جنوباً.

حسن البنا
وشهدت سنوات الحرب العالمية الأولى نمواً مستمراً للإخوان المسلمين "الذين تطوروا في ظل قيادة حسن البنا إلى حركة إسلامية جماهيرية"، وقد أصبحت أكبر جمعية إسلامية في مصر وأقامت فروعاً لها في السودان والأردن وسوريا وفلسطين وشمال إفريقيا، ودعا الإخوان المسلمون إلى الالتزام الصارم بتعاليم الإسلام وقدموا "بديلاً دينياً" لكل من الحركات القومية العلمانية والأحزاب الشيوعية في مصر والشرق الأوسط.

شهدت فترة الثلاثينيات توتراً في العلاقة بين الجماعة ولندن، فكانت الاستراتيجية البريطانية تجاههم، خلال السنوات الأولى من الحرب العالمية الثانية، تنطوي على محاولات قمع الجماعة، ولكن في ذلك الوقت تمتع الإخوان، الذين تحالفوا مع قوى اليمين، برعاية النظام الملكي المصري الموالي لبريطانيا، والذي كان بدأ بتمويل الإخوان في سنة 1940.

أول اتصال مباشر
جاء أول اتصال مباشر معروف بين مسؤولين بريطانيين والإخوان المسلمين في 1941، في وقت اعتبرت فيه الاستخبارات البريطانية أن أتباع التنظيم وخطط التخريب ضد البريطانيين "أشد المخاطر على الأمن العام" في مصر.

وبحلول عام 1942 كانت بريطانيا بدأت بتمويل الإخوان المسلمين، ففي 18 مايو(أيار) عقد مسؤولو السفارة البريطانية اجتماعاً مع رئيس الوزراء المصري أمين عثمان باشا، حيث نوقشت العلاقات مع الإخوان المسلمين وتم التوصل إلى اتفاق على عددٍ من النقاط، كان أبرزها أن "تدفع معونات من حزب الوفد للإخوان المسلمين بتكتم من قبل الحكومة المصرية، وسوف يحتاجون بعض المساعدة المالية في هذا الشأن من السفارة البريطانية".

القتل بكرم الأخلاق
كما اتُفقَ في الاجتماع على "بذل الجهد لإحداث انشقاق في حزب الوفد عن طريق استغلال أية خلافات قد تقع بين قائد التنظيم حسن البنا، والوكيل العام للتنظيم أحمد سكري"، ووعد البريطانيون بتسليم الحكومة قائمةً بأعضاء الإخوان المسلمين الذين يعتبرونهم خطرين، ولكن لن يكون هناك أية تحركات عدائية ضد التنظيم، بدلاً من ذلك، كانت السياسة المقررة "القتل بواسطة كرم الخلق" (أي الاحتواء التدريجي حتى القضاء على شوكة التنظيم) مع السماح لحسن البنا بإنشاء صحيفة ونشر مقالات "تساند المبادئ الديمقراطية"– واعتُقِد أن هذه ستكون طريقة جيدة لـ "المساعدة في تفتيت الإخوان".

كذلك ناقش الاجتماع كيفية قيام الإخوان بتشكيل "تنظيمات تخريبية" والتجسس لصالح النازيين، ووصفت بريطانيا الجماعة بأنها "تنظيم ديني ضيق الأفق وظلامي"، ولكنه تنظيم "بمقدوره إظهار قدرة على الصدام في أوقات الاضطراب"، بما في ذلك "فرق الانتحاريين". بوجود ما يقدر بمائة ألف إلى مائتي ألف نصير للإخوان، كانوا "مُعادين للأوروبيين، وللبريطانيين على نحو خاص، بسبب موقعهم الاستثنائي في مصر"، وبالتالي، فقد كان الإخوان "يتطلعون إلى انتصار المحور، الذي توهموا أنه سيجعلهم ذوي التأثير السياسي المهيمن في مصر".

بداية "سحق الإخوان"
بحلول سنة 1944، كانت لجنة الاستخبارات السياسية البريطانية تصف الإخوان المسلمين بأنهم خطر محتمل، ولكن بقيادة ضعيفة، لأنها شعرت بأن حسن البنا كان "الشخصية اللامعة الوحيدة"، وبدونه "قد ينهار الإخوان بسهولة"، إلا أن هذا التحليل المائل لرفض الإخوان سوف يجري تنقيحه في السنوات القادمة، نظراً لقيام البريطانيين بتشجيع الإخوان والتعاون معهم في مواجهة تنامي العداء للاستعمار في مصر.

اعتبرت بريطانيا القوى الإسلامية بمثابة "عملاء مؤقتين ولغرض مخصوص لتحقيق أهداف محددة عندما افتقرت بريطانيا إلى حلفاء آخرين أو إلى قوة كافية لفرض أولوياتها".

 وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت جماعة الإخوان أحد الحزبين السياسيين المستندين إلى قاعدة جماهيرية في مصر، إلى جانب حزب الوفد المؤلف من وطنيين معتدلين، وبقي الملك فاروق يجد الإخوان المسلمين مفيدين باعتبارهم "حصناً منيعاً ضد الأفكار الاقتصادية والاجتماعية الراديكالية".

وكان يُعرف عن جماعة الإخوان قيامها بـ "تمرير المعلومات إلى الحكومة، لمساعدتها في اعتقالاتها المستمرة للشيوعيين الحقيقيين والمشتبه بهم، وبخاصة في الاتحادات والجامعات"، مع ذلك فقد كان التعايش صعباً على الدوام في خضم المعارضة المتزايدة للوجود البريطاني وسيل أعمال العنف التي هزت مصر بعد عام 1945.

وسرعان ما تصاعدت المواجهة بين جماعة الإخوان– العازمة على طرد "المحتل" الأجنبي والسعي في نهاية المطاف لإقامة دولة إسلامية – وبين البريطانيين والقصر، وقد كانت الهجمات بالقنابل ضد الجنود البريطانيين أمراً مألوفاً في منطقة قناة السويس، كما قامت بعدد من محاولات الاغتيال لوزراء وأمناء شرطة. وفي ديسمبر (كانون الأول) 1948 وفي أعقاب ادعاء السلطات باكتشاف مخابئ سلاح جماعة الإخوان ومؤامرة للإطاحة بالنظام، تم حل التنظيم، وبحلول ديسمبر(كانون الأول) من عام 1949، كانت السفارة البريطانية في القاهرة تبلغ في تقاريرها بأن الملك فاروق "ذاهب لسحق" جماعة الإخوان".

وفي الحلقة القادمة نتابع تفاصيل السياسة التي انتهجتها بريطانيا تجاه الإخوان في الخمسينيات.