الإثنين 7 نوفمبر 2022 / 20:52

محمد بن زايد في "قمة المناخ".. دعوة لإنقاذ مستقبل الأرض

يتجاوز اهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة بالقضايا الإنسانية محيطها الخليجي أو العربي أو الإقليمي، ويمتد إلى العالم كله، تأكيداً لدورها الريادي في المساهمة في حل المشكلات التي تؤرق البشرية.

ويأتي في قلب هذه المشكلات قضية التغير المناخي، التي أصبحت تهدد مستقبل الإنسانية ووجودها على كوكب الأرض، بسبب تأثيراتها على تغير الطقس وما يتبعه ذلك من تهديد للإنتاج الغذائي، وارتفاع منسوب مياه البحر الذي يزيد بدوره من خطر الفيضانات الكارثية، والاحترار وما يؤدي إليه من جفاف قاتل.

وقد جاءت كلمة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة في قمة المناخ (كوب 27) المنعقدة حالياً بمدينة شرم الشيخ المصرية، كاشفة وذات رسائل واضحة، ذلك أنها انطلقت من وعي حقيقي باللحظة الفارقة التي تواجهها البشرية، إذ أكد أن "مستقبل الأجيال القادمة يعتمد على القرارات والإجراءات والخطوات التي نتخذها اليوم".

إن اهتمام الشيخ محمد بن زايد بصناعة المستقبل لا يخفى على أحد، وهو حين يشير إليه هنا فإنه يمد يده إلى قادة العالم جميعاً ليتخذوا قراراتهم التي ستنقذ هذا المستقبل، وتمنح الأجيال الجديدة أملاً في الحياة.

إرث كبير
وإذا كانت الكثير من الدول الكبيرة لم تتخذ هذه الخطوة بعد وتتصارع من أجل حاضرها، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة تقدمت ـ كعادتها ـ الصفوف نحو الحل، وانتبهت للمشكلة العالمية مبكراً وقدمت مساهمتها لعلاجها، فأصدرت قرارات واتخذت إجراءات ومشت خطوات طويلة نحو إنقاذ كوكب الأرض، بالعمل على خفض انبعاثات الطاقة من جهة وبناء القدرات في الطاقة المتجددة والنظيفة لتحفيز النمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام من جهة أخرى.

إن دولة الإمارات العربية المتحدة وهي تستعد لاستضافة الدورة المقبلة من قمة المناخ (كوب 28)، تنطلق من إرث حقيقي وكبير في هذا المجال، تمثل في المحافظة على البيئة، ودفع عجلة التحول إلى الطاقة النظيفة وتنويع مصادر الطاقة، وتقليل البصمة الكربونية. وقد أصبحت دولة الإمارات رائدة في مجال التحول إلى الاقتصاد الأخضر من خلال مسارين متوازيين، يتمثل الأول في خفض الطلب على الطاقة والمياه بنسبة 30 % بحلول 2030 من خلال تعزيز الكفاءة وبرامج الترشيد، ويختص المسار الثاني في تعزيز الإنتاج من خلال تنويع مصادر الطاقة، خصوصاً الطاقة النظيفة وزيادة كفاءتها وخفض الفاقد في شبكات الكهرباء والمياه.

وتمثل شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر" منذ تأسيسها في العام 2006 نموذجاً حياً ومساهماً أساسياً في الحد من آثار التغير المناخي وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، حيث تنتشر محفظة مشاريعها في أكثر من 40 دولة حول العالم لتبلغ قدرتها الإنتاجية الإجمالية من الطاقة النظيفة أكثر من 15 غيغاواط، فضلاً عن مساهمة هذه المشاريع في تفادي إطلاق قرابة 19.5 مليون طن من الانبعاثات الكربونية سنوياً.

لقد أشار الشيخ محمد بن زايد في كلمته إلى الاهتمام المبكر لدولة الإمارات بقضية التغير المناخي، وإلى ركائز الاستدامة التي أرساها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه حين وجّه قبل عدة عقود بوقف عمليات حرق الغاز حفاظاً على البيئة والموارد الطبيعية. وقد انطلقت جهود الشيخ زايد في هذا المجال بعد 6 أشهر فقط من تأسيس دولة الإمارات عام 1971 من خلال مشاركة وفد رفيع المستوى في المؤتمر الأول للأمم المتحدة المعني بحماية البيئة والعمل من أجل استدامة الموارد الطبيعية، ثم صدور أول قانون وطني في المنطقة يستهدف حماية البيئة في العام 1975.

مبادرات استراتيجية
إن مساهمات الإمارات في حل مشكلة التغير المناخي لا تنتهي، فقد كانت أول دولة في المنطقة تعلن مبادرة استراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، وأول دولة في الشرق الأوسط تدعم اتفاق باريس للمناخ عام 2015، كما أطلقت أول مشروع صناعي للهيدروجين الأخضر في المنطقة في مايو 2021، كما عملت على زيادة إنتاج الهيدروجين الأزرق بهدف تنويع مزيج الطاقة، واعتمدت كذلك حلول التقاط الكربون المستندة إلى الطبيعة، إذ تعتزم الإمارات زراعة 100 مليون شجرة منغروف بحلول عام 2030. ومثلت محطة براكة للطاقة النووية السلمية، إنجازاً كبيراً في التحول نحو الطاقة الصديقة للبيئة، بالإضافة إلى محطة الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية، أكبر محطة لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم بقدرة تصل إلى 2 غيغاواط من الكهرباء.

يشكل ما سلف جزءاً يسيراً من الدور المحوري لدولة الإمارات في الحفاظ على البيئة ومواجهة التغير المناخي، ورغم ذلك ما زالت تسعى حثيثاً في حل هذه المشكلة العالمية، عاماً بعد عام، وشهراً بعد شهر، ويوماً يوم. وقبل أيام وقّعت شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة لاستثمار 100 مليار دولار في إنتاج 100 غيغاواط من الطاقة النظيفة بحلول عام 2035، تأكيداً لدورها في تعزيز أمن الطاقة ودفع التقدم في العمل المناخي، وعملاً على تطوير مشروعات للطاقة النظيفة وتقديم حلول للتمويل ونشر التكنولوجيا المتقدمة وتعزيز سلاسل الإمداد وإدارة انبعاثات الكربون والميثان وتقنيات الطاقة النووية المتقدمة وخفض الانبعاثات في قطاعي الصناعة والنقل.

لقد أعلن الشيخ محمد بن زايد، أن دولة الإمارات ستركز خلال قمة المناخ COP28 التي ستستضيفها العام المقبل، على إنجاز أول تقييم عالمي للتقدم في "اتفاق باريس للمناخ"، وهي خطوة شديدة الأهمية لإلزام الدول بالمساهمة في حل هذه المشكلة. وكلي يقين أن هذه القمة المرتقبة ستشكل مع قمة شرم الشيخ خطوة متقدمة نحو مستقبل أفضل للبشرية.

لقد بدأت الإمارات خطواتها نحو مستقبل مستدام وآمن للعالم كله قبل عقود، ورأت كعادتها النور وسط الظلام، ورأت في أزمة المناخ "فرصة للابتكار وإيجاد الحلول وتنويع الاقتصاد" كما قال رئيس الدولة. وكل ما يتطلبه الأمر الآن هو التعاون والوقوف صفاً واحداً، كتفاً بكتف لزيادة منسوب الأمل بمستقبل آمن للبشرية.