قلعة صلاح الدين في اللاذقية (ويكبيديا)
قلعة صلاح الدين في اللاذقية (ويكبيديا)
الثلاثاء 14 مارس 2023 / 12:02

أضرار كبيرة في آثار سوريا التاريخية جراء الزلزال

على تلة من الحجارة التي انهارت من أحد الأبراج إثر الزلزال، يقف المشرف على قلعة صلاح الدين، زهير حسون ويشير بحسرة إلى تشققات أصابت الموقع المدرج على قائمة التراث العالمي المهدد، على غرار مواقع أثرية عدة في سوريا تضررت بفعل الكارثة.

وألحق الزلزال المدمر الذي ضرب في السادس من فبراير (شباط) سوريا وتركيا المجاورة، وأودى بحياة أكثر من خمسين ألفاً في البلدين، أضراراً بقرابة 40 موقعاً أثرياً وتاريخياً في أنحاء سوريا، وفق المديرية العامة للآثار.
وتراوحت الأضرار بين انهيارات كاملة وجزئية في الأسوار الخارجية لقلاع تاريخية وأبراجها، وتصدعات وتشققات أصابت أسقف وجدران مواقع أثرية وتهدد مستقبلها، إلى جانب تضرر في البنية الإنشائية لكنائس ومساجد ومتاحف يعود بعضها إلى القرون الوسطى.
يقول حسون: "دق ناقوس الخطر أبراج القلعة كلها، وانهار أحدها بالفعل بعد الزلزال"، موضحاً أن "زنة كل حجر طن على الأقل، وأي جزء ينهار من القلعة باتجاه الوادي، تستحيل إعادته مرة أخرى".
وعلى حافة سور متصدع، يمشي حسون بحذر وهو يعبر تحت 3 قناطر متصدعة بدورها، سقطت منها حجارة، ثم يشير بيده إلى واجهة القلعة العملاقة التي يعود بدء بنائها إلى القرن العاشر وتحمل بصمات من حقبات عدة وقد خرقها صدع كبير من أولها إلى آخرها.
ويوضح "ثمة انهيارات مقبلة في القلعة لا محالة، ولا شيء يحول بينها وبين ذلك إلا بعض الوقت أو أي هزة خفيفة مقبلة أو حتى أمطار غزيرة تدخل الشقوق وتملؤها".
وتمتد قلعة صلاح الدين الواقعة في ريف اللاذقية (غرب) على مساحة 55 دونما، وهي واحدة من أكبر 5 قلاع أثرية في البلاد، ومدرجة على لائحة التراث العالمي منذ 2006 ولائحة التراث المهدد منذ 2013.
وخلافاً لقلاع حلب (شمال غرب) والمرقب (غرب) والحصن (وسط)، التي طالتها أضرار كبيرة خلال النزاع، بقيت قلعة صلاح الدين بمنأى عن تداعيات الحرب.
وظلت مقصداً للزوار والسياح إلى أن علقت السلطات السورية الزيارات إليها بعد الزلزال "حرصاً على سلامة وافديها".

 

آثار متضررة


في المتحف الوطني وسط دمشق، يستعرض المدير العام للآثار والمتاحف نظير عوض، خارطة الأماكن الأثرية المتضررة، ويرسم دوائر حمراء حول محافظات حلب وإدلب واللاذقية وطرطوس وحمص وحماة، الأكثر تأثراً بالزلزال.
ويقول عوض: "رصدنا أكثر من 40 موقعاً متضرراً" لافتاً إلى أن "الضرر الأكبر في قلعة حلب وفي المدينة القديمة، إضافة لتشققات وصدوع وانهيارات في قلاع وأبنية وخانات وجوامع وكنائس تاريخية في المدن المنكوبة".
ويضيف "بعض الأضرار لا تحتمل التأجيل وتحتاج لتدخل إسعافي كي لا نخسر كنوزاً تاريخية لا تقدر بثمن".
وتفقد وفد من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) الأضرار التي لحقت بقلعة حلب ومدينتها القديمة ومدارسها.
وبحسب مديرية الآثار، تعمل المنظمة على تقدير حجم الأضرار "تمهيداً لوضع أولويات التدخل العاجل للأماكن المتضررة ودراسة تمويل بعض المشاريع التي تحتاج إلى تدخل إسعافي عاجل".

قلعة حلب


وألحق الزلزال أضراراً بقلعة حلب التي تعد نموذجاً للعمارة العسكرية الإسلامية في القرون الوسطى، وتسبب بسقوط أجزاء من الطاحونة العثمانية داخل القلعة وسقوط أجزاء من الأسوار الدفاعية الشمالية الشرقية وكذلك من قبة منارة الجامع الأيوبي" الواقع داخل القلعة، عدا عن تشققات وتصدعات.
يصر عوض "نحن بحاجة ماسة إلى خبراء زلازل دوليين لتقييم الوضع عن كثب وبدقة"، منبهاً من أن "المواقع لن تصمد طويلاً ما لم نسعفها فوراً".
ولم تقتصر الأضرار على مواقع أثرية في مناطق سيطرة الحكومة، بل طالت كذلك مواقع أخرى في إدلب وشمال حلب تحت سيطرة فصائل جهادية ومعارضة، وينقل عوض عن مصادر محلية وجود "أضرار جسيمة" لحقت بمواقع عدة.

دير القديس سمعان


ومن بين المواقع المتضررة بشدة، دير القديس سمعان العامودي في شمال حلب، حيث شوهدت حجارة مكومة فوق بعضها بعضاً.
ويشير المؤرخ فايز قوصرة، إلى تضرر القسم الغربي من الموقع الأثري، وتحطم واجهته الشرقية المقوسة، فضلاً عن بعض الأعمدة.
وسمي الموقع نسبة إلى القديس سمعان العامودي، الذي قضى وقته ناسكاً في القسم الجنوبي من الدير الذي تحول لاحقاً إلى مقصد للحجاج.
وفي مدينة حارم في إدلب، التي تعد من المناطق الأكثر تضرراً بالزلزال والتي دمرت عشرات المباني فيها، لحقت أضرار جزئية بقلعة حارم التي يعود بناؤها الى الحقبة البيزنطية.
وتهدمت أجزاء من جدرانها وأقواس 12 محلاً تجارياً تابعاً لها.
ويقول المدرس في مدينة حارم والمهتم بمتابعة شؤون الآثار فراس منصور "أن يتهدم بناء فهذا أمر طبيعي، أما قلعة قاومت عمارتها كل الضغوط فإنه لأمر غريب ومحزن".