الثلاثاء 28 مارس 2023 / 17:13

الشيخة شما بنت محمد لـ24: العلاقة بين الطفل والكتاب "الطريق الأمثل" لبناء جيل مثقف

24-حوار: هديل عادل

أكدت رئيس مجلس إدارة مركز الشيخ محمد بن خالد آل نهيان الثقافي، الشيخة الدكتورة شما بنت محمد بن خالد آل نهيان، أن القراءة حتمية سلوكية، يجب أن يقوم بها كل فرد في المجتمع، طالما أننا نسعى إلى بناء حضارة إماراتية حديثة، فالمعرفة ليست رفاهية.

وأضافت، في حوار لـ24، أن القراءة هي ركيزة في أساس البنية الثقافية للحضارات، فكل حضارة إنسانية قامت وعاشت، نقشت أثرها على تاريخ الإنسانية، وكانت المعرفة قيمة أساسية في آليات بنائها.
وذكرت أن القناعات المهمة والمصيرية لا تحدث نتيجة لحظات تحوّل، بقدر ما تكون نتيجة تراكم معرفي، وتكوّن رؤية عبر خبرة معرفية ممتدة.


وفيما يلي نص الحوار:
كيف بدأ شغف الشيخة الدكتورة شما بنت محمد بن خالد آل نهيان بالقراءة؟
كان لوالدي الشيخ محمد بن خالد آل نهيان "طيب الله ثراه" الدور الأكبر في بناء علاقة مستدامة  بيني وبين الكتاب، فقد كان قدوتي، وأنا أراه يحرص على القراءة، ويشركني معه في قراءة الصحف اليومية، وحين وجد أن القراءة صارت من عاداتي، دعمني في بناء مكتبتي الخاصة، وعلمني كيف أختار الكتب التي تساعدني في بناء وعيي وقدراتي المعرفية.
وأعتقد أن دور والدي في أن تكون القراءة أسلوب ومنهج حياة بالنسبة لي، يمثل نموذجاً لأهمية الدور الذي تقوم به الأسرة في دعم القراءة كسلوك يدعم فطرة الإنسان في البحث عن المعرفة. ما اللحظة الفارقة التي تحوّل فيها اهتمامك الشخصي بالقراءة إلى مجتمعك، من أجل نشر ثقافة القراءة، وغرسها في نفوس الصغار والكبار؟
القناعات المهمة والمصيرية لا تحدث نتيجة لحظات تحوّل بقدر ما تكون نتيجة تراكم معرفي، وتكوّن رؤية عبر خبرة معرفية ممتدة، فطوال رحلتي مع القراءة منذ صغري، ومع تكون علاقات مع العديد من الصديقات القارئات وسيدات المجتمع وأساتذة الجامعة وتعدد لقاءاتنا، نمت فكرة تأطير هذه اللقاءات في إطار ثقافي تنظيمي يساهم في تنميتها، فجاء نتاج ذلك إنشاء مجلس الفكر والمعرفة، ليكون أول صالون ثقافي نسائي في مدينة العين عام 1997.
ومع البداية الناجحة للمجلس، بدأ يتشكل لدي تطلع إلى تحويل النشاط من الخصوصية والنخبوية إلى العمل العام لدعم القراءة كسلوك، وبناء المعرفة في المجتمع، فجاءت فكرة إنشاء مركز الشيخ محمد بن خالد آل نهيان الثقافي، وتلاه جمعية محمد بن خالد آل نهيان لأجيال المستقبل، ومكتبة أجيال المستقبل ليمثلوا انعكاساً بأن بناء علاقة بين الطفل وبين الكتاب منذ الصغر، هي الطريقة الأمثل لبناء وعي وجيل قارئ يكون له دور رئيسي في تطور المجتمع، وتحقيق تطلعات قيادتنا الرشيدة في مستقبل حضاري متطور لدولة الإمارات.
يُعد "مجلس الشيخة شما للفكر والمعرفة" من المجالس التي برزت في مدينة العين.. كيف لعب المجلس دورا  في تعزيز قيمة القراءة في نفوس رواده؟
 كان للمجلس انعكاس على اتساع مداركنا من خلال تعدد مصادر قراءاتنا من الأدب المتنوع عربياً و عالمياً و الفكر والفلسفة ، حيث أن التنوع الفكري كان أهم مبدأ أقيم عليه مجلس الفكر، وكان المجلس انطلاقة للكثير من العضوات حتى أن 30% من عضوات المجلس صدرت لهن كتب متنوعة ما بين الإبداع الأدبي والإبداع الفكري، لما للحوار المفتوح والمنطق من قاعده قبول الفكر والفكر الآخر، من أجل اتساع الوعي والإدراك والمزيد من الإبداع، وانعكس أثر المجلس على المجتمع من خلال الأثر المعرفي والثقافي الذي تنقله عضوات المجلس للبيئة المحيطة بها من عائلة وأصدقاء وأهل وغيرهم.
وكان للمجلس دوراً كبيراً خلال فترة جائحة كوفيد 19 في تحقيق المقاومة الفكرية والثقافية لتداعيات فترة العزلة على الحالة النفسية للمجتمع، فأطلقنا جلساتنا عبر تطبيقات "الأون لاين" تحت شعار ( الباحثون عن المعرفة لا توقفهم الأزمات)، وحققنا عدداً غير مسبوق من الجلسات والاجتماعات والكتب التي تم نقاشها، أيضا حرصنا على عقد مؤتمرات وندوات مفتوحة للجميع، استضفنا فيها الكثير من المتخصصين والمفكرين والمبدعين من كل مكان في العالم حتى وصلنا الى 188 ندوة ولقاء ومؤتمر وورشة خلال فترة الجائحة.


أسهم مركز الشيخ محمد بن خالد آل نهيان الثقافي، وجمعية محمد بن خالد آل نهيان لأجيال المستقبل، في تنشئة أجيال قارئة في مجتمع مدينة العين.. حدثينا عن رؤيتكم الأولى عند تأسيسهما.
قناعتي أن القراءة هي حتمية سلوكية يجب أن يقوم بها كل فرد في المجتمع، طالما أننا نسعى إلى تحقيق الطموح ببناء حضارة إماراتية حديثة، فالمعرفة ليست رفاهية، بل هي ركيزة في أساس البنية الثقافية للحضارات، فكل حضارة إنسانية قامت وعاشت، نقشت أثرها على تاريخ الإنسانية، وسنجد أن المعرفة قيمة أساسية في آليات بنائها.
ولكي تبني فكرة ومفهوم، لابد وأن تبدأ من الصغر، فكان نشاط مركز الشيخ محمد بن خالد آل نهيان الثقافي وجمعية محمد بن خالد آل نهيان لأجيال المستقبل و من بعدهما مكتبة أجيال المستقبل موجها  إلى تكوين أجيال جديدة من الصغار ننشأهم على فطرة العلاقة المستدامة بينهم و بين الكتاب، وداخل إطار مؤسسات الشيخ محمد بن خالد، جاءت العديد من المبادرات التي أطلقناها على مدار السنوات الماضية مثل "مبادرة صديقك أينما تكون"، والتي توفر مكتبات متنقلة داخل المؤسسات وأماكن الانتظار، و مبادرة" 6 دقائق قراءة" التي تهدف إلى جعل القراءة عادة يومية من خلال الحرص على استقطاع 6 دقائق فقط يومياً للقراءة، وهي مدة زمنية لا تذكر مقارنة بما يقضيه الإنسان على شبكات التواصل الاجتماعي يومياً.

 


أطلقتم مبادرة "القراءة حرية" بالشراكة مع شرطة أبو ظبي، ما هي رؤيتكم لهذه المبادرة؟
أؤمن أن القراءة يمكن أن تغير في الإنسان، وتصنع له واقعاً مختلفاً، حين ننغمس في النص ونغرق في تفاصيله، يصبح النص حينها كسفينة نبحر بها إلى عالم خارج أسوار ذلك العالم الذي نحياه بتفاصيل مختلفة، متحررة من قيود الواقع الذي نعيشه، فنجوب بحار المعرفة ونعيش حيوات أخرى ، ومن هذا اليقين  طرحت تجربة (القراءة حرية)، اتكاء على أن نزلاء المؤسسات العقابية هم أحوج الناس للشعور بهذا التحرر من القيود، لما في ذلك من دعم نفسي مع إطلاق سراح أرواحهم وعقولهم خارج الأسوار، فتلك الحرية العقلية و الروحية تعيد التوازن لنفسياتهم و تساعدهم على المراجعة والتحرر من قيد الخطأ المرتكب، وتعيدهم إلى طبيعتهم الإنسانية السّوية، و كيف يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال القراءة، التي تمنح الروح والعقل مساحة حرية واسعة، ومنذ أن أطلقناها بالتعاون مع المؤسسة العقابية بالعين ودبي، الذين كان لهم دور كبير في تحقيق النجاح للمبادرة، استفاد من المبادرة منذ إطلاقها أكثر من (600) نزيل، وعقدت (20) جلسة حوارية حول الكتب التي تمت قراءتها، وكان لها الانعكاس الإيجابي على تحسين رؤية النزلاء لحياتهم بعد خروجهم مرة أخرى و إعادة دمجهم في المجتمع.  




ما هي تطلعاتكم من خلال إطلاق "تحدي القراءة الأسري" بالتعاون مع مؤسسة التنمية الأسرية؟
جاءت مبادرة تحدي القراءة الأسري لتعمل على دعم تنمية القراءة كسلوك وعادة يومية في وجدان الأجيال الناشئة، وليس هناك أفضل من البيئة الأسرية لتمثل الحاضنة التي تتشكل فيها تلك العلاقة، فإن أردنا أن نجعل الكتاب مفردة رئيسية ويومية في حياة الطفل، لابد وأن نقدم له القدوة والنموذج على ذلك، وهذا هو دور الأسرة الأساسي، لذلك جاء حرصنا على دعم الأسرة وتنمية القراءة كسلوك في حياة أفرادها سواء الآباء أو الأجداد، من أجل تقديم نماذج حيّة وقدوات للطفل فتحقق المبادرة هدفين هامين وهما: التنمية المعرفية للآباء من خلال دعم توجههم للقراءة، والهدف الآخر تقديم قدوة تشجع الطفل على القراءة وتنميها كسلوك يومي في حياتهم.