الأحد 2 أبريل 2023 / 09:23

المحاكمة تضع ترامب على مفترق طرق

أسعد عبود- النهار العربي

البعد الجوهري للقضية هو ذاك الانقسام الحاد الذي لا يزال يتعمق في المجتمع الأمريكي

تعيش الولايات المتحدة ذروة أخرى من ذرى الإنقسام السياسي الذي تجلى الخميس عقب توجيه مدعي عام مانهاتن في ولاية نيويورك ألفين براغ التهمة رسمياً إلى الرئيس السابق دونالد ترامب الطامح للعودة إلى البيت الأبيض في انتخابات 2024، في قضية دفع مبلغ 130 ألف دولار لممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز، لشراء صمتها قبل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016.

ردود الفعل من المعسكرين الجمهوريين، تقليديين ومتشددين، اتسمت بالاستنكار واعتبار الاتهام منافياً للقيم الأمريكية وفق ما صرح به حاكم فلوريدا رون ديسانتس الذي يعتبر المنافس الأقوى لترامب داخل الحزب الجمهوري. أما القيادات الديموقراطية فقد اعتبرت أن القانون يجب أن يأخذ مجراه.

إن توقيت الاتهام في مرحلة يستعد فيها الرئيس الأمريكي الديموقراطي جو بايدن لترشيح نفسه لولاية ثانية، لا بد من أن ينظر إليه من زاوية التسييس لا محالة. وذلك، هو انعكاس لأجواء الاحتقان التي تسود البلاد منذ رفض ترامب الإقرار بالهزيمة في انتخابات 2020 وما تلاها من اقتحام أنصاره مبنى الكونغرس في محاولة لعكس النتائج.
الشعبوية التي تحكمت بقرارات ترامب خلال فترة حكمه وحتى بعد مغادرته البيت الأبيض هي العصب الذي يقود به الحزب الجمهوري، وتضعه في الوقت نفسه على النقيض مع القيادات التقليدية داخل الحزب، لا سيما تلك الموجودة في مجلس الشيوخ وفي مقدمها زعيم الأقلية الجمهورية ميتش ماكونيل، بينما الوضع مختلف إلى حد كبير في ما يتعلق بولاء الغالبية الجمهورية في مجلس النواب لترامب وفي مقدمها رئيس المجلس كيفن ماكارثي.

ويرى ترامب أن "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة هي التي تحاربه منذ خروجه من البيت الأبيض، وأنها هي نفسها التي تعمل بدأب منذ عامين من أجل الحؤول بينه وبين العودة إلى الرئاسة عام 2024.

ويردد الرئيس السابق أنه ضحية "اضطهاد سياسي" غير مسبوق منذ التحقيقات التي أجراها المحقق الخاص روبرت مولر في قضية التدخل الروسي في انتخابات 2016، والتي قيدت العامين الأولين من ولايته.

وتعرض ترامب للمساءلة مرتين في مجلس الشيوخ في سابقة لم تحصل مع أي رئيس أميركي آخر، مرة عندما كان لا يزال في البيت الأبيض بتهمة الضغط على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عام 2019 من أجل فتح تحقيق أوكراني مع جو بايدن ونجله هنتر الذي كان يعمل في شركة للطاقة في أوكرانيا، وذلك في مقابل منح كييف مساعدات عسكرية. وكانت المرة الثانية على خلفية اقتحام مبنى الكونغرس في 6 كانون الثاني (يناير). وجرت المساءلة بعدما كان ترامب قد غادر البيت الأبيض.

وبعد خروجه من البيت الأبيض، حملت لجنة نيابية ترامب مسؤولية تحريض أنصاره على إقتحام مبنى الكونغرس وأنه لم يفعل شيئاً لردعهم. ثم كانت هناك دعاوى بتهمة تهرب "منظمة ترامب" من الضرائب. وفي الوقت نفسه كان التحقيق لا يزال جارياً في قضية ستورمي دانيالز.

اليوم تنقسم أمريكا بين مؤيد لمحاكمة ترامب ورافض لها. إنما البعد الجوهري للقضية هو ذاك الانقسام الحاد الذي لا يزال يتعمق في المجتمع الأميركي. حتى ليبدو أن الأمريكيين مختلفون على كل شيء من السياسة إلى حق الإجهاض وحق اقتناء الأسلحة الفردية، إلى من يؤيد تعزيز دور الشرطة وبين من يريد وضع ضوابط لها، بحيث لا تؤدي إلى ممارسات عنصرية بين الحين والآخر، تهدد بتفجير نزاع عرقي.

محاكمة ترامب وما يرافقها من أجواء مشحونة وتبادل للإتهامات، دليل آخر على أن الديموقراطية الأمريكية فعلاً هي هشة، وأن الأميركيين سائرون نحو تصادم على مستويات كثيرة، في ترجمة لصراع بين تفكيرين تزداد صعوبة التوفيق بينهما يوماً بعد يوم.