أتراك من أنصار الحزب الجمهوري المعارض (أرشيف)
أتراك من أنصار الحزب الجمهوري المعارض (أرشيف)
الثلاثاء 9 مايو 2023 / 13:21

تركيا بعد الانتخابات.. آفاق لا تطمئن أردوغان

نجح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تكوين قاعدة شعبية ارتكز عليها على مدار عقدين في السلطة بفضل سياسات عززت أسهمه بين الأتراك، لكن هل يصمد أردوغان في الانتخابات المقبلة وسط ارتفاع كبير في التضخم، وتراجع في قيمة الليرة التركية، والتحديات الناجمة عن الزلزال المدمر الأخير؟

يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ليهاي في بنسلفانيا، وزميل أول مساعد لدراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي الدكتور هنري بارك، في تقرير نشرته "ناشونال إنتريست" الأمريكية، إن من المقرر أن يتوجه الأتراك إلى صناديق الاقتراع في 14 مايو (أيار)، في واحدة من أكثر الانتخابات أهمية هذا العام. فتركيا بلاد مهمة، وتعد التحالفات المتنافسة والقادة المتنافسون بحلول ومقاربات متميزة لمواجهة التحديات المنتظرة.

هزيمة محتملة 

ويتحدث بارك عن هزيمة محتملة للرئيس رجب طيب أردوغان، وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه. ويقول إنه مع ذلك، فإن الحقيقة هي أن أياماً مضطربة تنتظر تركيا، إذا هزم أردوغان بعد 20 عاماً من الحكم. ذلك لأن النظام السياسي التركي منقسم بشدة ومستقطب ويحتاج إلى خريطة طريق محددة جيداً للانتقال السياسي.
وعلاوة على ذلك، فإن التغييرات السياسية الهيكلية التي تعهد بها ائتلاف المعارضة بقيادة حزب الشعب الجمهوري ورئيسه كمال كليتشدار أوغلو، تمثل تحولاً كاملاً في النظام. 

ثلاث مشاكل فورية

وستكون المرحلة الانتقالية صعبة لأن الحكومة الجديدة ستواجه ثلاث مشاكل فورية، الاقتصاد، ووضع مؤسسات الدولة، والحكم وسط فوضى المجتمع والسياسة.
ويقول بارك، إن أكثرها إلحاحاً هو الوضع الاقتصادي المتردي بسبب سوء الإدارة والذي تفاقم بعد زلزال 6 فبراير (شباط) المدمر. لذلك، على الحكومة أن تقدم بسرعة حزمة مالية تعالج معدل التضخم المرتفع، وأزمة الحساب الجاري، وانخفاض قيمة الليرة، ومعالجة الخسارة الدراماتيكية للثقة في الاقتصاد التركي.
وتقدر كلفة الزلزال بما يتراوح بين 8 و12% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مبلغ هائل. وبالنظر إلى ضعف أداء حكومة أردوغان بعد الزلزال، فإن التوقعات بأن تعيد الحكومة الجديدة تأهيل ضحاياه والبنية التحتية للولايات المتضررة لابد أن تكون عالية. ومع ذلك، فإن مثل هذه النفقات ستصطدم بسياسات اقتصادية أكثر تقليدية، بما فيها رفع أسعار الفائدة. وفي مثل هذه البيئة الصعبة، على الحكومة الجديدة كسب الدعم المحلي بالشفافية والصدق قدر الإمكان في شرح سياساتها لشعب فقد الثقة خلال العقد الأخير من حكم أردوغان.
ويرى بارك أن الخبر السار هو أن قاعدة التصنيع التركية صلبة وقادرة. وهي في حاجة إلى مضاعفة جهودها لزيادة صادراتها وتنويعها، جغرافياً في المقام الأول، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر مرة أخرى.

وستحتاج تركيا إلى مساعدات أجنبية كبيرة لتحقيق ذلك، والحصول على أموال لإعادة الهيكلة. ويرجح أن يأتي الدعم بشكل رئيسي من الولايات المتحدة، وأوروبا.

أما التحدي الثاني في رأي بارك فهو تنفيذ انتقالي لا مثيل له في تاريخ تركيا الحديث. وذلك لأن أردوغان "السياسي الشعبوي المستبد البارع" خلال حكمه، وضع كل مؤسسة حكومية ومجتمعية ذات أهمية تحت هيمنته. فمن النظام القضائي، إلى البنك المركزي، والجامعات الحكومية، ومعظم الصحافة، والبرلمان، والجيش، والبيروقراطية، جردها من استقلاليتها. 

أما المهمة الثالثة فهي إنشاء هيكل حكم متماسك من مجموعة متباينة من الحلفاء والشركاء الخارجيين مع معالجة القضايا الخلافية والمثيرة للانقسام التي تفرقهم.

ومن المفهوم أن التركيز سينصب على الوعد بالعودة إلى النظام البرلماني والتخلص من النظام الرئاسي المفرط. وستتطلب هذه المهمة الضخمة تخطيطاً ونقاشاً دقيقين وسنوات لإنجازها.
ويقول بارك إن زعيم المعارضة، كليتشدار أوغلو، حسن النية وإن كان غير مبدع وصاحب خلفية بيروقراطية. ومع ذلك، فقد فاق كل التوقعات بإدارة حملة ذكية بأسلوب هادئ وغير تصادمي، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع أردوغان، الذي بذل قصارى جهده لتوظيف خطاب مثير للانقسام غالباً ما اعتبرت فيه انتقادات الرئيس خيانة، وتستحق المحاكمة. ويتساءل بارك هل سيحاول أردوغان، بفضل حاشية كبيرة لحمايته بالإضافة إلى عائلته وحلفائه في الصحافة والبيروقراطية والقطاعات الأخرى، نزع الشرعية عن الانتخابات؟

ويقول إن الرئيس التركي جرب ذلك مرة واحدة عندما خسر حزبه رئاسة بلدية إسطنبول في 2019 واختلق ذريعة لإعادة الانتخابات المحلية. وجاء ذلك بنتائج عكسية، حيث صوت سكان إسطنبول بأعداد أكبر بكثير لمعارضته.
ومع ذلك، ومن أجل انتقال سلمي، قد ترغب الحكومة المقبلة في تفاهم مع أردوغان وعائلته يوفر لهما الحصانة ووعداً بتركهم وشأنهم، شريطة ألا ينخرطوا في الخداع الانتخابي ويتدخلوا في جهود الحكومة لتشكيل إدارة تحكم البلاد.

تحديات

ومن المرجح أن تواجه القيادة الجديدة تحديات غير متوقعة. وأن تتحرك الجماعات المختلفة التي كانت مستهدفة سابقاً من حكومة أردوغان بسرعة ضد معذبيها السابقين بمجرد إعلان نتائج الانتخابات.

ويمكن تصور، على سبيل المثال، أكاديميين وطلاب جامعة بوغازيتشي، الذين واصلوا وقفة احتجاجية ضد الكوادر التي عينها أردوغان والتي نهبت واحدة من أفضل المؤسسات التعليمية في البلاد، في محاولة للاستيلاء على الجامعة بالقوة.
ونظراً للقضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المحلية الضخمة التي تنتظر الحكومة الجديدة، من المرجح التركيز على تحسين العلاقات مع الغرب، الذي تحتاج تركيا بشدة إلى دعمه لتمويل إعادة الإعمار الضخمة بعد الزلزال، وتحقيق الاستقرار في الاقتصاد. ولسوء الحظ، في هذه المرحلة المبكرة، من شأن نزاعات السياسة الخارجية أن تحول الانتباه والطاقة عن المهمة المطروحة.
ومن المرجح أن تتوصل واشنطن وأنقرة إلى اتفاق على وجود القوات الأمريكية في شمال سوريا والتي تشارك الأكراد المحليين في محاربة تنظيم داعش. مصدر التوتر بين البلدين اليوم.
وأخيراً، تريد أوروبا والولايات المتحدة رؤية تركيا تغير عكسياً مسار الاستبداد في عهد أردوغان. وتحقيقاً لهذه الغاية، من مصلحتهما أيضاً أن تتساهل قدر الإمكان مع أي حكومة جديدة في تركيا.