وزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنري كيسنجر (أرشيف)
وزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنري كيسنجر (أرشيف)
الخميس 18 مايو 2023 / 23:03

كيف يتجنب العالم حرباً عالمية ثالثة؟.. هنري كيسنجر يجيب

"الخوف من الحرب يخلق أسباباً للأمل"، هذا ما قاله الخبير والسياسي الأمريكي المخضرم هنري كيسنجر الذي تحدث لصحيفة "إيكونومست" عما يحدث حقاً بين الولايات المتحدة والصين، التي تعتبر أن واشنطن تُهدد تقدمها، فيما ترى واشنطن أن بكين تُهدد وجودها، موضحاً خطته لمنع حرب عالمية ثالثة.

ليس من مصلحتنا دفع الصين إلى الانحلال.

وتقول الصحيفة:  "في 27 مايو(أيار) الجاري سيبلغ كيسنجر 100 عام، ولا أحد على قيد الحياة له من الخبرة في الشؤون الدولية أكثر منه، أولاً لأنه باحث في الدبلوماسية منذ القرن الـ19، وفي وقت لاحق كان مستشاراً للأمن القومي الأمريكي ووزيراً للخارجية، وعلى مدى السنوات الـ46 الماضية مستشاراً ومبعوثاً إلى الملوك والرؤساء ورؤساء الوزراء"، مشيرة إلى أنه أعرب عن قلقه قائلاً: "أقنع الجانبان نفسيهما بأن الآخر يمثل خطراً استراتيجياً.. نحن في طريق مواجهة القوى العظمى".

منافسة الصين وأمريكا

ويشعر كيسنجر بالقلق من المنافسة الشديدة بين الصين وأمريكا على التفوق التكنولوجي والاقتصادي، حتى مع هبوط روسيا في مدار الصين، بالتزامن مع حرب تلقي بظلالها على الجناح الشرقي لأوروبا، ويخشى أن يزيد الذكاء الاصطناعي التنافس الصيني الأمريكي.

وتشير الصحيفة إلى أن ميزان القوى والأساس التكنولوجي للحرب يتغيران بسرعة كبيرة وبطرق عديدة، حتى أن البلدان تفتقر إلى أي مبدأ مستقر يمكنها على أساسه إرساء النظام، لذلك قد تلجأ إلى القوة.

ويقول كيسنجر: "نحن في الوضع الكلاسيكي قبل الحرب العالمية الأولى، حيث لا يتمتع أي من الطرفين بهامش كبير من التنازل السياسي، ويمكن أن يؤدي  أي اضطراب في التوازن، إلى عواقب كارثية".

دراسة الحرب

بعد أن شهد كيسنجر المذبحة التي سببتها ألمانيا النازية ومعاناته من مقتل 13 من أقاربه في الهولوكوست، أصبح مقتنعاً بأن الطريقة الوحيدة لمنع الصراع المدمر، هي الدبلوماسية المتشددة، المحصنة بشكل مثالي بالقيم المشتركة.

ويقول: "هذه هي المشكلة التي يجب حلها. أعتقد أني قضيت حياتي في محاولة التعامل معها"، وفي رأيه، فإن مصير البشرية يعتمد على ما إذا كانت أمريكا والصين يمكنهما التوصل إلى ذلك.

وأضاف كيسنجر "نقطة البداية لتجنب الحرب هي تحليل قلق الصين المتزايد" ورغم شهرتته بالتصالح مع الحكومة في بكين، إلا أنه يعترف بأن العديد من المفكرين الصينيين يعتقدون أن أمريكا على منحدر، و"نتيجة لتطور تاريخي، سيحلون محلنا في النهاية".

ويعتقد السياسي المخضرم أن قيادة الصين تستاء من حديث صانعي السياسة الغربيين عن نظام عالمي قائم على القواعد، في حين أن ما يقصدونه حقاً هو قواعد أمريكا، والنظام الأمريكي.

إن حكام الصين يتعرضون للإهانة بسبب ما يعتبرونه الصفقة المتعالية التي يقدمها الغرب، لمنح الصين امتيازات إذا تصرفت مثل قوة صاعدة. في الواقع، يشك البعض في الصين في تعامل أمريكا معها  على قدم المساواة وأن "من الحماقة" تخيل أنها قد تكون كذلك.

إساءة التفسير

ومع ذلك، يحذر كيسنجر أيضاً من إساءة تفسير طموحات الصين. في واشنطن: "يقولون إن الصين تريد الهيمنة على العالم. الجواب هو أنهم في الصين يريدون أن يكونوا أقوياء. إنهم لا يتجهون إلى الهيمنة على العالم بالمعنى الهتلري، هذه ليست الطريقة التي يفكرون بها".

إن أحد ردود الفعل الأمريكية الطبيعية على التحدي المتمثل في طموح الصين ،هو التحقيق فيه، باعتباره وسيلة لتحديد كيفية الحفاظ على التوازن بين القوتين، وكذلك إقامة حوار دائم بين الصين وأمريكا.

ويقول كيسنجر: "الصين تحاول أن تلعب دوراً عالمياً. علينا أن نقيم في كل نقطة إذا كانت مفاهيم الدور الاستراتيجي متوافقة، هل يمكن للصين والولايات المتحدة التعايش دون تهديد بحرب شاملة ضد بعضهما؟ نعم، لكن النجاح غير مضمون".

ويعتقد كيسنجر أن "التفاهم بين البلدين في عهد نيكسون وماو، انقلب بعد 50 عاماً فقط من تلك السنوات الـ 100 من قبل دونالد ترامب. لقد أراد تضخيم صورته بانتزاع التنازلات من الصين بسبب التجارة. وفي السياسة، اتبعت إدارة بايدن قيادة ترامب، ولكن بخطاب ليبرالي".

أسباب للأمل

ويقول كيسنجر: "الخوف من الحرب يخلق أسباباً للأمل. المشكلة هي أنه لا يوجد لدى أي من الطرفين مجال كبير لتقديم تنازلات. أكد كل زعيم صيني علاقة بلاده بتايوان. ومع ذلك، في الوقت نفسه، بالطريقة التي تطورت بها الأمور الآن، ليس  سهلاً على الولايات المتحدة التخلي عن تايوان دون تقويض موقفها في مكان آخر".

أما وصفة كيسنجر للخروج من هذا المأزق، فتعتمد على تجربته في المنصب، حيث سيبدأ بخفض شرارة التوتر، ثم يبني تدريجياً الثقة وعلاقة العمل. وقال: "بدل سرد كل شكاواهم، يمكن للرئيس الأمريكي أن يقول لنظيره الصيني: سيدي الرئيس، أكبر خطرين على السلام في الوقت الحالي هما نحن الاثنان. بمعنى أن لدينا القدرة على تدمير البشرية. الصين وأمريكا، دون إعلان رسمي لشيء، ستهدفان إلى ضبط النفس".

تحديد الأهداف

أما نصيحة كيسنجر الثانية للقادة الطموحين فهي "حدد الأهداف التي يمكن أن تُجند بها الناس. ابحث عن وسائل، وسائل قابلة للوصف، لتحقيق الأهداف. تايوان ستكون الأولى بين مجالات عدة يمكن للقوى العظمى أن تجد فيها أرضية مشتركة، وبالتالي تعزز الاستقرار العالمي".

ويضيف "إذا أرادت أمريكا طريقة للعيش مع الصين، عليها ألا تهدف إلى تغيير النظام".

يعتقد بعض الأمريكيين أن الصين المهزومة ستصبح ديمقراطية ومسالمة، ومع ذلك، ورغم أن كيسنجر يفضل أن تكون الصين ديمقراطية، فإنه لا يرى سابقة لهذه النتيجة. على الأرجح، سيؤدي انهيار النظام الشيوعي إلى حرب أهلية تؤدي إلى صراع أيديولوجي، وتزيد فقط الاضطراب العالمي. ويقول: "ليس من مصلحتنا دفع الصين إلى الانحلال".