الجمعة 2 مايو 2014 / 11:53

وين؟ ع رام الله!



انتهت المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، كالعادة، بـ "انهيار" شامل ولم تسفر عن أي قرار يذكر، ولكي يزداد الطين بلة، عاقبت إسرائيل الفلسطينيين بالحصول على أموال الجمارك والضرائب التي تجمعها عنها، ومضت تبني 14 ألف وحدة سكنية للمستوطنين، ناهيك عن إحيائها ذكرى الهولوكوست وادعائها أن السلطة الفلسطينية تحاول إقامة هولوكوست جديدة لليهود، رغم تصريحات محمود عباس بأن المحرقة "أسوا ما حدث في التاريخ البشري الحديث".

بالرغم من بشاعة تصرفات إسرائيل هذه، إلا أنها معتادة وليست جديدة، وإن كان حجمها يزداد يوماً بعد يوم، إلا أن ما لفت النظر اليوم هو "البجاحة" التي اعترت صفوف الجيش الإسرائيلي، في هجومهم على زر "لايك" إعجاباً بصورة نشرها جندي إسرائيلي يدعى ديفيد آداموف مشهراً فيها سلاحاً بوجه فلسطيني في الخليل، وجمعت الصورة أكثر من 80 ألف لايك!

 أصبح الجندي معروفاً إعلامياً بكنية "ديفيد النحلاوي"، لخدمته في كتيبة متزمتة دينياً اسمها "هناحال هحريدي"، وسرعان ما قام أعلام إسرائيل بتأييد النحلاوي أيضاً، ونشر صورته معلنين تضامنهم مع تصرفه، بما في ذلك وزير الاقتصاد الإسرائيلي ورئيس حزب الجناح المتطرف في حزب الليكود الحاكم.

صورة النحلاوي تعيد إليّ ذكريات بضع شهور ماضية، عندما قام العديد منا، الشبان العرب، وغير العرب أيضاً، بتغيير صورة البروفايل الخاصة بنا على فيس بوك لصورة رمزية واحدة تضامناً مع إضراب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، مع اختلاف القيمة طبعاً، نظراً لأننا كنا نعبر عن تأييدنا لقضية إنسانية سلمية، فيما يعبر النحلاوي وأمثاله عن عنف وتطرف، لكن الوسيلة تبقى واحدة، وهي اعتماد الصور في وسائل التواصل الاجتماعي.

 ورغم سخرية البعض مما قمنا به، معتبرين أن "الأسرى يموتون، والفلسطينيين ـ عموماً ـ يعانون كل يوم، وكل ما يمكنكم القيام به هو تغيير صورة البروفايل" إلا أن صورة النحلاوي اليوم تؤكد مدى أهمية هذه الوقفات الاحتجاجية "الافتراضية" على الإنترنت، ومتى ما حشد الناس، ضمنَّا وجود قاعدة شعبية، وبالتالي حصول تغيير، بل إنه اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يجب علينا الاهتمام بهذه "الرموز" البسيطة التي يرى البعض فيها "تفاهة" أو مضيعةً للوقت.

إن قيامنا – كأفراد وشعوب غير واثقين في قدرتنا على التحكم بمسار القضية الفلسطينية كما نريد - بخطوات رمزية، كتغيير صورة أو ارتداء كوفية أو غيرها من الأمور، إنما يدل على أننا متفقون في التفكير، مفكرون في القضية، وقلوبنا معلقة هناك في فلسطين، من ذلك مثلاً انتشار فيديو بعنوان "هابي غزة" (غزة السعيدة) على الإنترنت الأيام الماضية، وفيه رقص الفلسطينيون وغنُّوا على أنغام أغنية "هابي" ليظهروا وجهاً سعيداً لغزة.

ليس علينا أن نحمل سلاحاً، كالنحلاوي المتعصب، لنعبر عن فكرنا، مجرد "كوفية" أو علاقة مفاتيح على شكل "حنظلة" ـ الشخصية الكاريكاتيرية الشهيرة المعبرة عن الفلسطينيين ـ أو حتى رقصة "دبكة" تقول شيئاً واحداً: نحن مع فلسطين ونؤمن بقضيتها إيماناً تاماً... ماذا سنغير وكيف سنغير أصلاً؟ لا ندري، لكننا على الأقل نفكر، كما يفكر كثيرون، فحتى لو كنت مثلي، غير فلسطيني الجنسية، سنعرف من هذا الرمز الذي تضع أنك "فلسطيني الهوى"، وإذا سألك أحدهم: "على وين، مستخدماً رموزاً كهذه؟" فيمكن أن تجيب، ببساطة: "ع رام الله"، وإذا شئت ضع كوفيةً أو غيِّر صورة "بروفايلك" أو ضع مفاتيحك في علاقة "حنظلة" أو حتى ارقص "دبكة" على أنغام الأغنية الشهيرة " وين؟ ع رام الله"، وتعال معنا للأرض التي كانت تسمى فلسطين، وصارت تسمى...فلسطين.