الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (ا ف ب)
الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (ا ف ب)
الثلاثاء 13 يونيو 2023 / 21:50

لولا د سيلفا يراهن على شعار "عدم الانحياز" لتوحيد أمريكا الجنوبية

يسعى الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا منذ عودته إلى الحكم لتحقيق تحولات جذرية في السياسة الخارجية لبلاده، ليتخلى عن سياسات سلفه  اليميني غاير بولسونارو الموالية للولايات المتحدة بشكل عام، ويعيدها إلى سياسة عدم الانحياز من أجل المضي قدماً في مسارها المستقل، بدعم من روسيا والصين وبقية أعضاء مجموعة بريكس.

انحياز إلى موسكو وبكين

وفي تحليل نشرته مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية، يقول كبير خبراء الاقتصاد في مؤسسة "سيمثز ريسيرش أند غرادينجز للاستشارات والأبحاث" الدكتور سكوت بي. ماكدونالد،  إن محاولات لولا لإقامة شكل من أشكال الوحدة بين دول أمريكا الجنوبية يثير من الأسئلة أكثر مما يقدمه من إجابات.
ويرى ماكدونالد زميل الأبحاث في كل من "كريبيان بوليسي كونستريوم" و"غلوبال أمريكانز"، إن سياسة لولا لعدم الانحياز  تعني أيضاً الانحياز إلى موسكو في الحرب الروسية الأوكرانية وتبقي على العلاقات الاقتصادية الوثيقة مع الصين. ومن منظور المصلحة الوطنية البرازيلية تعتبر روسيا شريكاً مهما حيث أنها مورد رئيسي للأسمدة للقطاع الزراعي البرازيلي، في حين تعتبر الصين سوقاً رئيسية لصادرات البرازيل، إلى جانب استثمار بكين حوالي 66 مليار دولار في البرازيل خلال الفترة من 2007 إلى 2020 بحسب مجلس الأعمال البرازيلي الصيني.

"رهان آمن"

ويقول أستاذ العلاقات الدولية في مؤسسة "جيتوليو فارغاس فاوندشن" أوليفر ستونكيل،  إن "عدم الانحياز يعتبر رهاناً آمناً في عالم تتزايد فيه منافسة القوى العظمى. ومن وجهة نظر البرازيل لا  يعتبر صعود الصين وعودة النفوذ الروسي تطوراً سيئاً بالنسبة لها، ولذلك لا ترى البرازيل لنفسها مصلحة في الانضمام إلى أي تحالف غربي ضد موسكو".  وظهر الانحياز إلى كل من بكين وموسكو في إرسال لولا وفد إلى فنزويلا حليفة كل من الصين وروسيا والخاضعة لعقوبات أمريكية، وكذلك في رفضه إرسال أسلحة إلى أوكرانيا وفي استضافة وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف في أبريل (نيسان) الماضي. وفي قمة تجمع بريكس في أبريل (نيسان)، دعا لولا إلى العمل على إيجاد عملة بديلة للدولار الأمريكي في المبادلات التجارية الدولية. وبالإضافة إلى التطورات المرتبطة بكل من الصين وروسيا، رفضت البرازيل التوقيع على قرار للأمم المتحدة يدين انتهاكات حقوق الإنسان في نيكاراغوا. كما سمحت البرزايل بدخول سفن حربية إيرانية إلى موانئها رغم الضغوط الأمريكية عليها لرفض استقبال هذه السفن. 

 وانطلاقاً من سياسة "عدم الانحياز"  دعت البرازيل خلال قمة أمريكا اللاتينية في الشهر الماضي إلى تشجيع إطلاق عملة تجارة إقليمية تتحدى هيمنة الدولار الأمريكي، وتعزيز العلاقات بين دول أمريكا اللاتينية تحت لافتة "اتحاد دول أمريكا الجنوبية". ويمكن استخدام العملة الموحدة المنتظرة في البداية في مبادلات  تكتل ميركوسور التجاري الذي يضم الأرجنتين والبرازيل وباراغواي وأوراغوي.  وفي كلمة الافتتاح، اقترح الرئيس البرازيلي "تعزيز هوية أمريكا الجنوبية  في السياسة النقدية من خلال آليات تعويض أفضل، وإنشاء وحدة معاملات مشتركة للتبادل التجاري بدلا من الاعتماد على العملات الخارجية  وبخاصة الدولار".
 وربما كان الحدث الأبرز في قمة أمريكا الجنوبية هو احتضان لولا القوي لنظيره الفنزويلي نيوكولاس مادورو. فقد كان لقاء لولا ومادورو قبل انطلاق القمة يهدف إلى تأكيد لغة التصالح والتكامل في القمة. في الوقت نفسه يرى لولا أن الاتهامات الموجهة إلى مادورو بانتهاك حقوق الإنسان والحريات المدنية في بلاده مجرد "رواية غربية"، وأدان العقوبات الأمريكية على الحكومة الفنزويلية  باعتبارها "أسوأ من الحرب". كما أشار إلى أنه من "العبث" ألا تعترف بعض الحكومات بمادورو كرئيس منتخب بشكل شرعي. وإذا نظرنا للمستقبل، بحسب سكوت ماكدونالد، فإن الرابح الأكبر من قمة أمريكا الجنوبية هو الرئيس الفنزويلي  مادورو. فالقمة قدمته كشخصية مهمة وقائد وطني يستحق الاحترام، رغم اتهامات الغرب له بقيادة دولة تشهد أكبر موجة هجرة ونزوح في النصف الغربي من الكرة الأرضية، مع ازدهار زراعة وتجارة المخدرات فيها، وانتهاك  حقوق الإنسان وقواعد الحكم الديمقراطي. لكن القمة اتخذت طابعاً أيديولوجياً  يتمثل في الاستعداد للقبول بوجود  حكام مستبدين، وهو ما يمكن أن يعقد أي محاولة لإقامة تكامل اقتصادي أعمق وبخاصة في ظل احتمال حدوث تحولات سياسية في دول المنطقة نتيجة الانتخابات المختلفة.وإذا كانت  حكومات يسار الوسط تسيطر حالياً على دول أمريكا الجنوبية، فقد يتغير الوضع  على المدى المتوسط، عبر الانتخابات مثل الانتخابات المقررة في الأرجنتين في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

 

دور عالمي أكبر 

 وفي حين نجح لولا في عقد مؤتمر القمة بمشاركة كل قادة أمريكا الجنوبية باستثناء رئيس بيرو الذي غاب لأسباب داخلية، وأكد الأهمية المتزايدة للبرازيل  كجزء من عالم الجنوب، فمن غير المحتمل أن يكون للقمة نتائج ملموسة على صعيد السياسات الفعلية. في الوقت نفسه فإن لولا ومستشاريه السياسيين على صواب في القول إنه لكي يكون لأمريكا اللاتينية ثقلها في الشؤون الدولية، يجب أن تتمتع بقدر أكبر من الوحدة.
ويؤكد ماكدونالد، أن المزيد من القمم على شاكلة القمة الأخيرة لن يحقق المطلوب، حيث أن التساهل مع الأفكار الأيدولوجية للمستبدين لا تحقق التكامل الاقتصادي. فقد نجح الاتحاد الأوروبي في المضي قدماً في مسار التكامل الاقتصادي، لكنه سعى جاهداً للحفاظ على عضويته كناد ديمقراطي، وهو أمر كان يحتاج المزيد من الاهتمام من جانب الرئيس البرازيلي.