السبت 18 مايو 2024 / 08:35

رسم ملامح عالم جديد

افتتاحية صحيفة الخليج الإماراتية

تشكل زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين بمناسبة مرور 75 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وهي الأولى له خارج روسيا منذ إعادة انتخابه في مارس الماضي، والثانية خلال ما يزيد على ستة أشهر، مرحلة جديدة ومهمة في علاقات موسكو وبكين على طريق تعميق علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وتأكيد الدور القيادي للبلدين في تشكيل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب عادل وديمقراطي.

وقد وقّع بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ بالمناسبة بياناً مشتركاً حول علاقاتهما الاستراتيجية تضمن تحديد أسس العلاقات بينهما، وحزمة من الاتفاقات المشتركة بين الإدارات والشركات بهدف زيادة تعميق التعاون العملي الثنائي، من بينها التطوير المشترك لجزيرة «أوسور سكي»، وتطوير التعاون من منطلق الاحترام المتبادل وحسن الجوار والمنفعة المتبادلة.
وإذا كانت المحادثات بين الرئيسين شي وبوتين ركزت على تطوير العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، إلا أنها ركزت أيضاً بشكل أساسي على أهمية دورهما في دعم قيام عالم جديد متعدد الأقطاب ومتوازن يعتمد بشكل أساسي على القانون الدولي، أي الإصرار على مواجهة التفرد الأمريكي في قيادة النظام الدولي القائم الذي لا يأخذ في الاعتبار ميثاق الأمم المتحدة الذي يحمي سيادة الدول وأمنها ويحميها من العقوبات أحادية الجانب، ويحفظ الأمن والسلم الدوليين، وهو ما أكده الرئيس الروسي في «العمل متضامنين لتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب يقوم على الدور المركزي للأمم المتحدة ومجلس الأمن والقانون الدولي، والتنوع الحضاري والثقافي»، كما أكد الرئيس شي أن «الصين ورسيا تدافعان عن النظام الدولي من خلال الدور المركزي للأمم المتحدة، وكذلك النظام العالمي القائم على القانون الدولي».
هناك اتفاق بين الزعيمين على أن العالم يمر بمرحلة تحّول تاريخية يجب التقاطها والعمل على تكريس واقع دولي جديد بعيداً عن الهيمنة الأمريكية المطلقة التي تتعامل من منظور الحرب الباردة، وتسترشد بمنطق المواجهة بين الكتل الدولية، وتضع أمنها وأمن حلفائها فوق الأمن الاستراتسجي الإقليمي والعالمي، وهو سلوك يهدد الأمن العالمي، كما هي الحال في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، واتفاقية «أوكوس» الأمنية التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، إضافة إلى تحالفات عسكرية أخرى، وتسعير الحرب في أوكرانيا، ودعم عسكري وسياسي غير مسبوق لإسرائيل في حرب الإبادة التي تخوضها في قطاع غزة.
ويخوض البلدان صراعاً اقتصادياً وتجارياً ومالياً ضارياً ضد الولايات المتحدة التي تفرض عليهما عقوبات قاسية، ما دفعهما إلى زيادة التعاون في مختلف المجالات لمواجهة هذه «الحرب الأمريكية» بتنشيط الشريان الاقتصادي والمالي بينهما؛ إذ أصبحت الصين أكبر سوق للنفط والغاز الروسي، فضلاً عن كونها مصدراً رئيسياً للواردات، كما أن البلدين يسعيان إلى التخلص من القيود المالية الأمريكية من خلال التعامل بالعملة المحلية وخارج النظام المالي الأمريكي للإفلات من استخدام واشنطن الدولار كسلاح، وهو ما أشار إليه الرئيس الروسي بالقول إن التطوير السريع للعلاقات التجارية بين روسيا والصين «أظهر مناعة قوية ضد التحديات والأزمات الخارجية»، وأوضح بأنه خلال السنوات الخمس الماضية، تضاعف التبادل التجاري بين البلدين، و«أن أكثر من 90 في المئة من المعاملات بين شركات البلدين تم تسويتها بعملتيهما الوطنيتين».
الصين وروسيا ماضيتان في مواجهة الهيمنة الأمريكية، وجاءت زيارة الرئيس الروسي إلى بكين لتعطي زخماً وأملاً لنظام عالمي جديد بدأ يتبلور.