(أرشيف)
(أرشيف)
السبت 22 يوليو 2023 / 12:05

تقارب جورجيا الحذر مع روسيا.. لعب بالنار

تسعى جورجيا بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب في أوكرانيا لتطوير علاقتها بروسيا دون إهمال سعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مستفيدة من الفرص الكبيرة التي تحظى بها والمهمة بالنسبة للطرفين على حد سواء.

يقول المحلل السياسي الدكتور إميل أفدالياني، أستاذ العلاقات الدولية بالحامعة الأوروبية، ومدير دراسات الشرق الأوسط بمركز أبحاث "جيوكيس" في جورجيا، إنه منذ بدء غزو روسيا واسع النطاق لأوكرانيا، ترفض جورجيا الانضمام للعقوبات ضد موسكو، ولم تنتقدها علانية رغم تصرفاتها في أوكرانيا. وكان رد فعل روسيا إزاء ذلك الإعلان في مايو (أيار) الماضي استئناف الرحلات المباشرة بين الدولتين وإلغاء متطلبات التأشيرات المفروضة على مواطني جورجيا.
وأشاد المسؤولون الروس مراراً وتكراراً بحكومة جورجيا لحفاظها على نهج بناء يليق بدولة ذات سيادة، وزاد حجم التجارة الثنائية. وكانت صادرات جورجيا لروسيا زادت في عام 2022 بنسبة 6.8% إلى 652 مليون دولار، بينما ارتفعت الواردات بنسبة 79% إلى 1.8 مليار دولار، وهو أعلى مستوى خلال الـ16 عاماً الماضية.

تصرفات غير منطقية

ويضيف أفدالياني في تقرير نشره موقع مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي أن تصرفات جورجيا تبدو غبر منطقية بوجه خاص باعتبار أن العلاقات بين الدولتين لم تكن سهلة منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، خاصة بعد عام 2008، عندما قامت روسيا بغزو أراضيها. واحتفظت موسكو بالفعل بالسيطرة على أكثر من 20% من أراضي جورجيا منذ ذلك الحين مع إقامة قواعد عسكرية في منطقتي أبخازا وأوسيتيا الجنوبية، الانفصاليتين عن جورجيا. يأتي هذا التقدم في العلاقات مع روسيا في الوقت الذي ساءت فيه علاقات تبليسي مع شركائها الغربيين التقليديين. وتشهد الانتقادات المتبادلة تزايداً، وهناك شكوك حول تقدم جورجيا بالنسبة لمعظم التوصيات الـ12 التي حددها الاتحاد الأوروبي كي تنال وضع دولة مرشحة للانضمام للاتحاد الأوروبي.  

نقطة عبور مهمة 

ويقول أفدالياني، إن دوافع حكومة جورجيا وراء هذا التحسن في العلاقات مع موسكو متنوعة، لكن أحد العوامل الرئيسية يتمثل في الأهمية الإقليمية المتزايدة لجورجيا. فالحرب المطولة في أوكرانيا أرغمت الاتحاد الأوروبي على إعادة تقييم اعتماده على روسيا في الحصول على الطاقة، وفي مجال التجارة، ودفعته إلى البحث عن طرق بديلة يمكنه من خلالها الوصول إلى الصين ووسط آسيا. ويبدو أن طريق الممر الأوسط الذي يمر عبر جورجيا هو الخيار الأكثر ملائمة.
ونظراً لأن جورجيا هي الجسر البري الأقصر بين الاتحاد الأوروبي والصين، زاد الاتحاد الأوروبي من وجوده في جنوب القوقاز من خلال مشروعات موقعة حديثاً مع أذربيجان وجورجيا، في مجالي الغاز والبنية الأساسية. ونتيجة لذلك، اكتسبت جورجيا أهمية جغرافية سياسية أكثر كثيراً مما كانت تتمتع به قبل بدء الحرب في أوكرانيا. وهناك احتمال بأن تستغل جورجيا أيضاً احتمال التقارب مع روسيا كأسلوب تفاوضي عند التعامل مع الشركاء الأوروبيين المترددين.
ومع ذلك، ليس من قبيل الصواب تصوير جورجيا على أنها في طريقها لتصبح دولة موالية لروسيا، حيث إن تبليسي تعتقد أن روسيا سوف تبقى في مستنقع أوكرانيا لسنوات، إن لم يكن لعقود. ووسط هذا الاضطراب الواضح، تضاءل نفوذ روسيا في جنوب القوقاز، مما أتاح لدول فاعلة أخرى - خاصة تركيا وإيران- مساحة أكبر للمناورة. وقد أنهى غزو أوكرانيا عهد ما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وتسبب في النهاية الفعلية للهيمنة الروسية التامة في جنوب القوقاز.

خطوات أكثر جسارة 

ويرى أفدالياني أن هذا يعني المزيد من الفرص لاتخاذ جورجيا خطوات أكثر جسارة في السياسة الخارجية واستغلال الضعف الروسي. ومن المتوقع إمكانية أن تدفع موسكو أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية- إلى القيام ببعض المبادرات التصالحية تجاه تبليسي، والتي من شأنها أن تمثل ما يشبه حسماً محتملاً للخلاف. ويمكن أن تشمل هذه المبادرات تعزيز العلاقات الاقتصادية بين أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وباقي جورجيا، وحتى بعض الاتصالات السياسية الطفيفة مع تبليسي. وهناك خطوة أخرى يمكن أن تتمثل في تسهيل حرية الحركة بين السكان المحليين، والحد من عمليات اختطاف القوات الروسية- الأوسيتية الرعايا الجورجيين.
وفي الحقيقة، تعتمد تقديرات تبليسي على إدراك أن لدى جورجيا الآن ما يمكن أن تقدمه لروسيا أكثر مما كانت تفعل قبل2022، مما يزيد من قيمتها ونفوذها لدى موسكو. ومن مصلحة روسيا أن تظل الحدود مع جورجيا مفتوحة، حيث يساعد ذلك في توفير طريق لروسيا إلى تركيا وأرمينيا. وثانياً، يعني تحسين العلاقات مع جورجيا بالنسبة لروسيا أن العلاقات بين جورجيا والاتحاد الأوروبي يمكن أن تزداد ركوداً: وهو ما سيؤدى إلى تضاؤل النفوذ الغربي في المنطقة. وثالثاً، يمكن أن تلعب جورجيا بورقة حلف شمال الأطلسي( ناتو)، من خلال اضمحلال طلب الانضمام لعضويته. 

وهناك اعتبار آخر، وهو أن تبليسي ترى أن المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا تبدو غير كافية لإنهاء الحرب، بينما نجحت روسيا في الاحتفاظ بسيطرتها على أجزاء كبيرة من البلاد. ويعتقد المسؤولون في جورجيا أن ميزان القوة يتحول لصالح روسيا، وأن توسع الناتو هو الذي أدى إلى اندلاع الحرب في أوكرانيا. ومع ذلك، فإن هذه الحسابات الجيوسياسية محفوفة أيضاً بخطر احتمال أن تكون خاطئة مما سيكون له تأثيرات دائمة على جورجيا ورعاتها في الغرب.

"أفضل رهان"

وليس من الواضح تماماً ما إذا كانت روسيا - سواء أصبحت غير مستقرة بصورة متزايدة أو منتصرة- ستكون مفيدة لأمن جورجيا وسعيها لإعادة تكامل أراضيها. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لأي تحول طفيف نحو تحسين العلاقات مع روسيا أن يزيد من تباعد تبليسي عن الغرب. وإذا ما رفض الاتحاد الأوروبي منح جورجيا وضع الدولة المرشحة للانضمام إليه فى وقت لاحق من هذا العام، يمكن أن يصبح ميل جورجيا للمزيد من التقارب مع روسيا أكثر وضوحاً.
واختتم أفدالياني تقريره بالقول، إن أي تطبيع للعلاقات بين تبليسي وموسكو سوف يفضي في نهاية المطاف إلى قضية وحدة أراضي جورجيا. ومن المعروف أن روسيا أعربت على الدوام عن عدم استعدادها لتقديم أي تنازلات في هذا الصدد. كما أنها ليست مستعدة للتنازل طواعية عن أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية حال هزيمتها في أوكرانيا. وفي الوقت الراهن، يتمثل أفضل رهان بالنسبة لجورجيا في الإبحار ما بين روسيا التي تزداد خطورة، والغرب، الذي يتوسع تدريجياً جهة الشرق، لكن ليس بالسرعة الكافية لتطويق جورجيا البعيدة جغرافياً قبل أن تتعرض للتهديد مرة أخرى من جانب روسيا.