الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ (أرشيف)
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ (أرشيف)
الجمعة 24 نوفمبر 2023 / 14:12

خبير: آسيا الوسطى مقبرة محتملة للتحالف الروسي الصيني

يمكن وصف العالم اليوم بعالم تنافس بين الدول الكبرى في مناطق أوروبا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى وآسيا، في وقت يشهد معاناة الإنفاق الفيدرالي الأمريكي في ظل العجز المتزايد في الميزانية والمخاوف الأمنية المحلية الملحة على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة.

ويرى المدير الاداري لشركة إنترناشونال أدفايزز للاستشارات العالمية الخبير الاقتصادي ديفيد ميركل، والذي عمل نائباً لمساعد وزير الخارجية لشؤون أوروبا وأوراسيا أن التقشف الذي اتسمت به السياسة الخارجية في عهد الإدارات الأمريكية الأخيرة ساهم في حالة عدم الاستقرار السائدة، ويتعين معالجة ذلك بدعم أوكرانيا وإسرائيل وتايوان. ومع ذلك تحتم الضرورة حشد الموارد الأمريكية وتوجيهها نحو المصالح الحيوية.

ويقول ميركل في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية إنه يتعين مع سعي الولايات المتحدة لتعزيز تحالفاتها في أوروبا وآسيا البحث أيضاً عن فرص لزرع بذور الانقسام بين موسكو وبكين- وهي علاقة وصفت بأنها "بلا حدود" قبل غزو روسيا لأوكرانيا.

الصين الصاعدة

وربما تكون الجمهوريات السوفيتية السابقة في آسيا الوسطى هي المكان المناسب لذلك. وهناك سابقة تاريخية لتصادم مصالح الدول الكبرى في آسيا الوسطى. فقد تقاتلت بريطانيا في العهد الفيكتوري مع روسيا القيصرية بشأن الخانات في أواخر القرن التاسع عشر. كما أن الاشتباكات بين الجيش الأحمر السوفيتي وجيش التحرير الشعبي في ستينيات القرن الماضي على طول الحدود عبر آسيا الوسطى نبهت الغرب إلى الانقسام الصيني السوفيتي.

وتعتبر الصين الصاعدة جمهوريات آسيا الوسطى الخمس- أوزبكستان، وكازاخستان، وتركمنستان، وطاجيكستان وقيرغزستان- دولاً مهمة لمبادرة الحزام والطريق التي تعتبر إحياء لطريق الحرير القديم. فربط الصين بالأسواق الأوروبية براً سيخفف من مخاوف بكين إزاء نقاط الاختناق البحرية وتعرضها لمضايقات قوة الاسطول الباسفيكي الأمريكي. واندفعت موسكو التي لم تقبل مطلقاً بدور أدنى بالنسبة لواشنطن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي نحو مثل هذا الدور التابع مع بكين. وربما يعتبر الكرملين أن هذا أمر لا يمكن تجنبه إلى حد كبير، لكنه غير مقبول في آسيا الوسطى آسيا.

ويضيف ميركل أن موسكو وبكين تريان أن المنطقة تتطور في اتجاهين مختلفين. فالصين تعزز منظمة شنغهاي للتعاون، ومبادرة الحزام والطريق، واستثماراتها الخاصة في الطاقة والتعدين. وتعتبر بكين آسيا الوسطى مصدراً للمعادن، والهيدروكربونات، والزراعة، وتتصل بالأسواق التي تقع في غربها. وتعطي الأولوية للاستقرار في آسيا الوسطى، جارتها ذات الأغلبية المسلمة، غرب شينجيانج، التي يتشابه سكانها دينياً وعرقياً مع سكان الصين من الإيغور.

أما موسكو فتعتبر المنطقة مجال نفوذها المميز. وهي تستغل الاتحاد الاقتصادي الأورواسي، لربط أسواقها بكازاخستان وقيرغزستان وبيلاروس وأرمينيا الأعضاء في الاتحاد. وأدى عدم وجود قيود داخل الاتحاد وحدود روسيا الطويلة مع كازاخستان إلى تمكن روسيا من تجنب العقوبات الأمريكية والأوروبية. فقد زاد حجم التجارة إلى أعضاء الاتحاد مع شحن الجزء الأكبر من صادراتها إلى روسيا.

توحيد المصالح

كما تقود روسيا منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تضم في عضويتها دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بالإضافة إلى طاجيكستان. ومثل حلف وارسو في عهد الاتحاد السوفيتي، والذي أرسل قوات إلى بودابست عام 1956 وإلى براغ عام 1968، أرسلت منظمة معاهدة الأمن الجماعي قوات فقط إلى الدول الأعضاء، وفعلت ذلك في يناير (كانون الثاني) 2022 إلى كازاخستان، وذلك مباشرة قبل غزو موسكو الشامل لأوكرانيا في فبراير(شباط). وأدى القلق إزاء احترام موسكو لسيادة كازاخستان إلى انزعاج الرئيس الصين شي جين بينغ، لدرجة أن أول زيارة له بعد انتهاء جائحة كورونا كانت إلى عاصمة كازاخستان، حيث قال إنه "بغض النظر عن التغيرات في الوضع الدولي، سنواصل دعم كازاخستان بكل قوة في الدفاع عن استقلالها، وسيادتها ووحدة أراضيها، وندعم بقوة الإصلاحات التي تقومون بها لضمان الاستقرار والتنمية ونعارض بقوة تدخل أي قوى في الشؤون الداخلية لبلادكم". ثم توجه شي بعد ذلك إلى سمرقند التي تم اختيارها لتكون مقراً لقمة منظمة شنغهاي للتعاون.

ويرى ميركل أن بكين تُعتبر مستقبل المنطقة، بينما تربطها موسكو بها علاقات تاريخية وشخصية. ومع ذلك فإن منع واشنطن من أن يكون لها نفوذ في المنطقة أدى إلى أن تخفف روسيا والصين من خلافاتهما وتوحيد مصالحهما في آسيا الوسطى. لكن مع غياب واشنطن عن المعادلة، سوف تواجه روسيا والصين كل منهما الأخرى بدلاً من الاتحاد معاً.

ويقول ميركل إن تحقيق الولايات المتحدة لمزيد من التعاون مع حلفائها وشركائها في آسيا يعد أمراً أساسياً لتعزيز الردع في مواجهة بكين الأكثر عداء. فطوكيو وسول تتعاونان معاً مع واشنطن لتحقيق توازن في مواجهة التهديد من جانب الصين. وتربط أستراليا والفلبين علاقات دفاعية أكثر قوة مع الولايات المتحدة من خلال تحالف أوكوس ومعاهدة دفاع متبادل متجددة بين الولايات المتحدة والفلبين. وحتى الهند، التي تعتبر تاريخياً من دول عدم الانحياز، وفيتنام، العدو السابق لأمريكا، تعجلان علاقاتهما مع واشنطن في ظل المخاوف من بكين في جنوب وجنوب شرق آسيا.

وأضاف أن هناك حاجة لبذل جهود لإقامة شراكات في أوروبا وآسيا لمواجهة النفوذ الشرير من جانب روسيا والصين وإيران وذلك من أجل التنافس في عصر تنافس القوى الكبري الحالي. وأشار إلى ضرورة البحث عن فرص حيثما توجد انقسامات بين موسكو وبكين وإمكانية استغلالها.

واختتم ميركل تحليله بالقول إن روسيا والصين تتنافسان في آسيا الوسطى، حيث تحاول واشنطن السعي لتحقيق نفوذ لها بعد أن ضيعت 30 عاماً في عدم القيام بذلك خلال أوقات كانت أكثر مناسبة. وأسفر هذا عن قيام بوتين وشي بتوحيد مصالحهما. وفي المقابل، يمكن أن ندرك أن غيابنا عزز مصالحنا، ومن ثم يتعين التركيز على الخلافات في السياسة بين موسكو وبكين. وربما توجد بذور الانقسام بين موسكو وبكين في آسيا الوسطى، ويتعين على الولايات المتحدة استغلالها.