(أرشيف)
(أرشيف)
الإثنين 22 يناير 2024 / 12:41

إثيوبيا الحبيسة تتمرد على الجغرافيا

في بداية العام الجديد، اختارت إثيوبيا فتح جبهة جديدة، بغض النظر عن أكلافها وتبعاتها، وسعت بـ"اتفاق تاريخي" وقع مع دولة أرض الصومال الانفصالية للخلاص من عقدة الجغرافيا، وفتح الطرق أمام إعادة إحياء قوتها البحرية، وتأمين موطئ قدم لها على ميناء بربرة الاستراتيجي المطل على خليج عدن، مثيرة أزمة جديدة في القرن الأفريقي، تخشى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي من توسعها وتحولها إلى صراع إقليمي جديد، يغرق القارة الأفريقية في أتون حرب هي أغنى ما تكون عنها.

اتفاق الثاني من يناير

خرج الاتفاق إلى العلن في الثاني من يناير (كانون الثاني) الجاري، ووقع عليه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وزعيم أرض الصومال غير المعترف بها دولياً في العاصمة أديس أبابا، وبموجبه حصلت البحرية الإثيوبية على أكثر من 12 ميلاً من الوصول البحري في ميناء بربرة لمدة 50 عاماً، في مقابل اعتراف إثيوبيا رسمياً بأرض الصومال كدولة مستقلة، إضافة لحصولها على حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية، ومنافع اقتصادية أخرى، بينها تحديث بنيتها التحتية، وإنشاء الطرق والسكك الحديدية، والاستفادة من كهرباء سد النهضة.

من هي دولة أرض الصومال؟ 

وقبل الخوض في تفاصيل الاتفاق الكاملة والمثيرة، طرحت تساؤلات كثيرة عن الطرف الثاني في الاتفاق المفاجئ، فمن تكون أرض الصومال، وكيف نشأت وما قصة خلافها مع دولة الصومال المعترف بها؟

تقع أرض الصومال على ساحل خليج عدن، وكانت سابقاً محمية بريطانية قبل أن تحصل على استقلالها بشكل رسمي عام 1960، ثم اندمجت لاحقاً في الصومال التي كانت تحت الاحتلال الإيطالي، ولاحقاً شكل الطرفان معاً جمهورية الصومال، لكن لم يدم الاندماج طويلاً، وبدأت التصدعات والخلافات في الظهور بين الطرفين حتى وصول أرض الصومال إلى إعلان استقلالها عن جمهورية الصومال في 1991، عقب الإطاحة بالرئيس الصومالي السابق سياد بري.

بعد الانفصال بدأت أرض الصومال، رحلة نيل اعتراف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وفشلت في تحقيق حلمها، ورغم ذلك، فهي تتمتع بنظام سياسي نشط، وفيها مؤسسات حكومية وقوة شرطة وعملة خاصة بها.

تبلغ مساحة أرض الصومال 177 ألف كيلومتر مربع، وتعداد سكانها 5.7 مليون نسمة، وعاصمتها هرغيسا، ويتحدث سكانها بلغات شتى، أبرزها العربية والصومالية المحلية، والإنجليزية.

ميناء بربرة

يطل ميناء بربرة على خليج عدن، ويتمتع بموقع استراتيجي على امتداد مسار نقل النفط العالمي، ويمتد رصيفه على طول 650 متراً وعمق 11.5-12 متراً، لكنه يفتقر إلى المقومات الضرورية المتطورة لمواكبة حركة الشحن البحري.

تنافست قوى دولية مختلفة للسيطرة على الميناء، وبسط نفوذها عليه، واستخدامه كقاعدة عسكرية.

وظل تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي فترة طويلة بموجب اتفاق وقع في عام 1972، ولاحقاً جرى توسيعه واستخدامه كقاعدة عسكرية من قبل البحرية الأمريكية. 

ويعتبر الميناء أحد أفضل المواقع الجغرافية للتطوير، وسعت أرض الصومال الفقيرة إلى تحويله إلى مصدر دخل، خاصة مع عدم توفر موانئ بنفس الميزات التي يحظى بها.

الدوافع

شكل الموقع الجغرافي على مر الزمان أزمة لإثيوبيا، فهي أكبر دولة من حيث عدد السكان لا تملك ساحلاً، وتحيط بها اليابسة من كل الجهات، وتحدها من الغرب كينيا وجنوب السودان، ومن الجنوب الصومال، ومن الشرق جيبوتي وإريتريا، ومن الشمال والشمال الغربي السودان. 

وبعد استقلال إرتيريا عن أديس أبابا عام 1993 فقدت إثيوبيا طريقها إلى ميناءيها الكبيرين على البحر الأحمر مصوع وعصب. 

وبسبب عقدة الجغرافيا، فإن 95% من المعاملات التجارية الإثيوبية تعتمد على جارتها جيبوتي، التي تمتلك 31 كلم من السواحل وتكلفها نحو مليارَي دولار سنوياً بما يمثل نحو 13.6% من ميزانية الدولة الإثيوبية لعام 2024 التي تبلغ نحو 14.7 مليار دولار. 

يرى الخبراء أن الدافع الرئيسي لإثيوبيا من خلف هذه الاتفاقية، هو رغبتها في بناء منشأة بحرية في ساحل البحر الأحمر أو خليج عدن.

ويقول الباحث في مؤسسة المجلس الأطلسي، مركز أفريقيا، مايكل شوركين في تصريح لـ"بي بي سي"، إنها "مخاطرة محسوبة من إثيوبيا، فيها بعض المكاسب الحقيقية. فإثيوبيا بحاجة ملحة إلى منافذ بحرية أوسع.

وبهذه الطريقة ستتجنب الدخول في حرب مع إريتريا، ومن الجانب الآخر تمنح أرض الصومال الاعتراف المستحق. وستثير الصفقة، دون شك، سخط الصومال، ولكنها أقل خطورة من الدخول في حرب مع إريتريا.

وتترجم تصريحات سابقة لآبي أحمد دوافع إثيوبيا الطموحة للخروج من سجن الجغرافيا وتحقيق تطلعاتها العسكرية، فهو قال في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي قبل أشهر من توقيع الاتفاق، إن وجود إثيوبيا مرتبط بالبحر الأحمر، وإذا كانت دول القرن الأفريقي تخطط للعيش معاً في سلام، فعلينا.. أن نجد طريقة للتقاسم المتبادل بطريقة متوازنة"، واصفاً الوصول إلى البحر  بأنه قضية وجودية.

وبحسب تأكيد رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية ياسين أحمد، فإن مذكرة التفاهم بين أرض الصومال وإثيوبيا، "ستمنح أديس أبابا منفذاً بحرياً سيوفر عليها الكثير من تكاليف استخدام موانئ دول أخرى، وسيكون مفيداً للغاية في التصدير والاستيراد لدولة بها 120 مليون نسمة، خاصة أن استخدام موانئ جيبوتي أصبح مكلفاً بشدة".

وعلى الجانب الاستراتيجي يرى أحمد أن "دخول دولة بحجم إثيوبيا في البحر الأحمر سيؤهلها للعب دور في حماية الأمن الإقليمي"، مشيراً إلى  أن هناك قواعد عسكرية لدول مختلفة في المنطقة لحماية مصالحها "فإذا كانت هذه الدول تأتي من وراء البحار لعمل ذلك مع احترامنا وتقديرنا لمصالحها، فمن حق إثيوبيا أيضاً - والمعنية بحماية أمن المنطقة - أن يكون لها قوة عسكرية تحمي قوتها السياسية وتدافع عن مصالحها في هذه المنطقة".

التأثيرات والتبعات 

فور الإعلان عن الاتفاق، سارعت مقديشو لرفضه، واعتبرته اعتداءً إثيوبياً، وانتهاكاً للسيادة الوطنية الصومالية، وتعهدت بالدفاع عن أراضيها، كما اتهمت أديس أبابا بالسعي لتوليد مزيد من العنف في المنطقة، في إشارة إلى حركة "الشباب" الإرهابية التي رفضت الاتفاق من جانبها، ودعت الشعب الصومالي إلى حمل السلاح والقتال ضد الجانب الإثيوبي.

يهدد الاتفاق الذي يعتبر بمثابة قنبلة موقوتة بانفجار خطير في القرن الأفريقي على جميع المستويات، وقد يؤول إلى تدمير العلاقات الدبلوماسية بين إثيوبيا والصومال بلا رجعة، وكذلك بين الصومال وأرض الصومال.

وأخطر ما في تبعات الاتفاق، دخول حركة الشباب الإرهابية على خط الأزمة، وتنفيذها عمليات انتقامية، ربما تمتد إلى العمق الإثيوبي لتعزيز حالة عدم الاستقرار، إضافة إلى استهداف القوات الإثيوبية في الداخل الصومالي. 
كما أن الاتفاق يهدد بتوتير العلاقات الإقليمية في القرن الأفريقي، فربما تتصاعد المواقف الرافضة من دول القرن للخطوة الإثيوبية بالاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة، في إطار المخاوف من "بلقنة" القرن الأفريقي، خاصة أن هذه الخطوة من شأنها تشجيع بعض القوميات والقبائل على المطالبة بالانفصال والاستقلال عن الدولة الأم، وهو ما يهدد أمن دول المنطقة ووحدتها وتماسكها، بحسب معهد "إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية". 

وتزداد المخاوف من تشعب الصراع، مع تنامي قلق إريتريا ومصر من احتمال انتشار البحرية الإثيوبية في البحر الأحمر وخليج عدن الإستراتيجيين. ويعد استغلال إثيوبيا لميناء بربرة، بوابة تنافس مع مصر في صناعة الخدمات اللوجستية البحرية.

أما في جيبوتي، التي تتقاضى من إثيوبيا نحو ملياري مليار دولار سنوياً مقابل استخدام موانئها، فتزداد المخاوف من انتشار الفوضى وعدم الاستقرار. وبالنسبة للصومال، فحرمانها من ميناء بربرة المهم جغرافياً يفقدها مصدر دخل حيوياً ومهماً في المستقبل، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".