عبدالرحيم سليلي (من المصدر)
عبدالرحيم سليلي (من المصدر)
الإثنين 29 يناير 2024 / 18:41

المغربي عبدالرحيم سليلي الفائز بـ"سرد الذهب" لـ 24: الإمارات جنّة الثقافة العربية

أكد الكاتب المغربي عبدالرحيم سليلي الفائز بجائزة سرد الذهب 2023 التي نظّمها مركز أبوظبي للغة العربية: "أن الإمارات صارت جنّة للثقافة العربية، وأن خير ما يشجع الكاتب على العطاء هو الاعتراف بما يكتب"، موضحاً أنه كتب قصتة الفائزة، ليصور هول فاجعة الزلزال في المغرب، وفي الوقت عينه يظهر مشاعر التحام الناس في الشدائد وانتصار القيم الإنسانية.

وفي تصريح خاص لـ24 أوضح سليلي مؤلف قصة "زلزال" التي فازت بسرد الذهب فرع القصة القصيرة للأعمال السردية غير المنشورة "ما تمثله الجائزة بالنسبة لي، وبحكم متابعتي للشأن الثقافي العربي أرى أن الإمارات من الشارقة إلى أبوظبي إلى الفجيرة ودبي صارت جنّة للثقافة العربية، وأن الجوائز فاكهة هذه الجنّة، لذا فإحساسي لن يختلف عن إحساس مؤمن دخل جنته ونال من فاكهتها التي ستمنحه طاقة ليكتب المزيد، كما أن هذا الفوز سيفتح أفق تواصل أكثر رحابة وانفتاحاً أمام أعمالي السردية والشعرية معاً، أما الآفاق فكل ما أتمناه أن أكتب المزيد وبنفس الإصرار والقوة على التأثير، لأن خير ما يشجع الكاتب على العطاء الاعتراف بما يكتب".
وقال: "كتبت هذه القصة في لحظة اختلطت علي فيها مشاعر متباينة من الحزن العميق على ضحايا الزلزال، إلى الشعور بالانتماء لبلد عريق في الانحياز لما هو إنساني، لقد رأيت مغاربة يموتون، وفي الوقت ذاته أيقنت أن الشدائد تكشف المعدن النفيس للمغاربة، وكتبت القصة لأصور هول الفاجعة ووقعها، وفي الوقت عينه حاولت إظهار المشاعر المعبرة عن التحام الناس في الشدائد وتداعيهم لبعضهم البعض وانتصار القيم الإنسانية".

وأضاف "بالنسبة للوقت الذي استغرقته لكتابة هذا العمل تقريباً نصف يوم، لأنني كتبتها دفعة واحدة في حدود 11 مقطعاً، قدم أولها توصيفاً للحالة، وما وقع للأرض والعمران والناس والكائنات أثناء الهزة الأولى، أما المقاطع الأخرى فجاءت على شكل هزات ارتدادية لم تحدث في طبقات الأرض الغاضبة، وإنما وقعت في دواخل الناس لتخرج ما في الوجدان من مشاعر عميقة وحقيقية، تولدت لحظة الفاجعة".
وعن أبطال القصة أوضح سليلي "أبرز شخصيتين في القصة العجوز، وهي امرأة في الهزيع الأخير من العمر، انهار فوقها سقف البيت، وسحق نصف جسدها قبل أن يطمر تحت الثرى، وتحاول الكبسولات السردية المتعلقة بهذه المرأة أن تكشف حقيقة مشاعرها وحنوها على الابن والجيران الذين لم تكن تعرف مصائرهم، وستستمر في التفكير في الجميع حتى تنطفأ حياتها تحت السقف، أما الشخصية الثانية فهي الابن الذي خرج إلى مراح فارغ في سفح الجبل، يبث نايه لواعج قلبه المجروح من أثر حب عذري، فكتبت له النجاة لينطلق مع أول هزة باحثاً عن أمه العجوز، وعن الجيران، لكنه يجد البلدة قد مُسحت من على وجه الأرض".
وتابع "ستموت الأم وفي قلبها حسرة لأنها لم تستيقظ لأداء صلاة الفجر على نداء مؤذن الساعة التي جلبتها وحيدتها من عاصمة عربية، بعدما شكت لها من الصوت المزعج لنقرات ديك الساعة الفرنسية، ستذكر في إحدى الكبسولات أن هذا الديك اللعين هو المسؤول عن سرقة قمح الرغيف من بيت المؤونة، هذه الحدوثة الصغيرة الموظفة داخل الحدوثة الكبرى، استعملت للتعبير عن الموقف المغربي الرافض لمساعدة مستعمر الأمس، والذي قبل اليد الممدودة باسم العروبة والدين، وستفسر شمس نهار الابن على مشهد شعب يقلب الصخر بأصابع يديه بحثاً عن ناجين، لتكون صيحته الأولى في ذلك الصباح المشهود، وهو ينظر إلى جبال الإغاثات ونمل المنقذين في الجبال: كأنها الجنة".

وبالنسبة للناحية الفنية ذكر "حاولت أن تكون اللغة شاعرية وفي نفس الوقت حيّة قادرة على توصيف المشاهد، وتكثيف اللحظة إيماناً مني أن القصة القصيرة فن يقدم حدوثة وقعت في حيز ضيق من الزمن، كما أن شعرية الإيهام تحضر بقوة في هذا النص الذي ينحو جوهره لإثبات عكس ما ينقله الظاهر: فالأرض ارتجت، وقلبت فصار من كان أعلاها تحت التراب، وتحول سقف البيت من غطاء يوفر الأمان، ويقي من عوادي الريح والحر والمطر إلى ثقل يطحن أجساد من أووا إليه طلباً للاحتماء والأمان، ورغم كل هذا الانقلاب يحافظ الإنسان المنكوب على صفاء سريرته، فتكتب ساكنة القرى ملحمة انصهارها في الجسد الواحد الذي يتألم لآلام أي عضو منه، ويصرف طاقاته من أجل خلاصه".
وفي هذا الإطار يقول الروائي والناقد الراحل إبراهيم الحجري واصفاً طرق تسريد عبدالرحيم سليلي لعوالمه القصصية: "إنه لم يترك أي طريقة ممكنة للتعبير، إلا طرق بابها، واستعان بخدماتها كي يجعل محكيه مميزاً، انطلاقاً من الفراغ المفضي إلى الصمت وحديث البياضات، مروراً بنقاط الحذف، وانتهاء بقصائد قالها في زمن ولّى، ورأى أن يدبج بها مسروداته القصصية، بدون أن يحيد عن إفراطه الواعي في منح الكلمة لشخصياته كي تبوح، مانحاً بذلك، نصوصه تماسكاً فنياً صهر في نسيجه السردي كل ممكنات الهوية القصصية، زاد من صلابته الوصل الذكي بين التجربتين: الشعرية والسردية ضمن منجز واحد".

سليلي في سطور

يذكر أن عبدالرحيم سليلي شاعر وكاتب مغربي، من مواليد مدينة خريبكة سنة 1973، حاصل على ماجستير في المسرح وفنون الفرجة، رأس تحرير مجلة "قوافل سجلماسة" الفصلية المحكمة للثقافة والتربية والإبداع، وساهم بنصوصه الشعرية التفعيلية ومقالاته المتنوعة في الملاحق والمنابر المغربية والعربية منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، كما أغنى المكتبة المغربية بالعديد من الإصدارات الشعرية، نذكر منها "مجرة المكاشفات"، الصادر مطلع 2002، ومجموعتين صادرتين عن اتحاد كتاب المغرب "ملائكة في السديم" 2010، و"زخات" 2011، وحصلت العديد من أعماله على مجموعة من الجوائز الوطنية والعربية، منها عمله الشعري الأول" اشتباكات على حافة جرح قديم" الفائز بجائزة طنجة الشاعرة للشعر العربي، عام 2000، وجائزة مفدي زكرياء، كما نالت مجموعته الموسومة بـ"آخر أوراق ذي الرمة" جائزة المبدعون بإمارة دبي، أما عمله الشعري الأخير: "أوراق منسية من سفر يونان"، فقد حصل على جائزة حلقة الفكر المغربي بفاس، 2021.
حاولت قصائده التموقع ضمن تيار ينتصر لحداثة شعرية عربية، تخلص لجذورها الأصيلة رغم سعيها لاستنبات الجديد الشعري بين عمل وآخر، قال عنه الناقد والروائي المغربي الراحل إبراهيم الحجري في دراسة نشرها ضمن كتاب أصدرته وزارة الثقافة المغربية بعنوان: "آفاق التجريب وتحولات المعنى في القصيدة المغربية الراهنة": "مثل العنفوان يهل علينا عبدالرحيم سليلي باشتباكاته العنترية على حافة الجراح والمكابدة، منذ بدء التكوين، منذ صرخة الميلاد، اشتباكات تشبهه تماماً في احتدامها وتداعيها، وتفاني شطحاتها الغرائبية الفانتاستيكية والكرنفالية، يأتي من صلب صحراء هجرها النخيل وشطت بأغوارها نار الظمأ، أي براق يمتطي هذا الاشتعال الشعري الجميل، الصاعد من قفار الروح المنكسة بالخيبات اللاحقة المتلاحقة، الماثلة والغائبة".
كما توجت مجموعة سليلي القصصية الأولى "أضغاث ربيع" بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي 2019، كما أصدر في نفس الجنس الأدبي مجموعته الثانية بعنوان "ظل يرقص سامبا شرقية" سنة 2021، والآن يعد لإصدار مجموعة قصصية وديوان شعري بنفس جديد.