الأربعاء 21 مايو 2014 / 13:05

الناظر صلاح الدين السيسي


إن كنت مؤيدة لعبد الفتاح السيسي رئيساً للجمهورية فلا شك أنك تعتبرين وصوله إلى الرئاسة ضمانة الاستقرار. رجل قوي من خارج السياسة، كما بوتين في روسيا، سيأتي لكي يضع حدا لكل هذه الفوضى تحت مسمى الديمقراطية. ولا بد أنه سيأخذ في طريقه أيضاً فوضى الميكروباص و"سيعيد الانضباط" إلى الشارع المصري.

ليس هذا فقط، بل إنه يتحدث حديثاً واضحاً، لا لبس فيه، عن موقفه من جماعة الإخوان، التي صارت إرهابية بحكم القانون. ويتعهد بالقضاء عليها. هذا أدعى للاستقرار. "فوضى الديمقراطية" عرفناها منذ ثلاث سنوات، أما فوضى الإسلامجية فعششت في البلد.

أو ربما ترين أن عبد الفتاح السيسي المؤهل الوحيد لإحداث تنمية اقتصادية في البلد. طبيعي. ما دام سيحقق الاستقرار، وما دام سيضع حداً للإسلامجية، فقد تخطى الصعب، ولن يتبقى أمامه سوى القليل جداً لتحقيق غرض التنمية الاقتصادية ذاك. ثم إنه يتعهد بها. ويستخدم شعبيته والظروف الاقتصادية الحالية لكي يفتح ملف الدعم. أحد الملفات الشائكة منذ نشأة الدولة المصرية الأبوية بقيادة عبد الناصر. ويتعهد أيضا بفتح مجال الاستثمار. وهل أحلى من وعد "المستثمرين مش عارفين إحنا مجهزين لهم إيه" الذي أطلقه!!

ورغم قوته تلك عاقل، يتحدث عن العلاقات الخارجية بهدوء ورزانة وبلا اندفاع، ينحو إلى التفاوض لا التهديد والوعيد، ويوحي بالثقة في أنه مستعد لما هو أسوأ. تقولين إن لديه "قوة عبد الناصر ودهاء السادات".

ومن أجل ذلك كله تصفقين إذا قمع مذيعاً أو مذيعة تليفزيونية، أو تتجاوزين عن الدروس الأخلاقية التي يرى نفسه أهلاً لكي يلقنها للشعب، عوضاً عن البرنامج السياسي الإجرائي الواضح، وهو شيء يختلف عن الوعود السياسية، يختلف تماماً.

ولا تلتفتين إلى أننا سمعنا كلاماً كهذا من قبل، من أشخاص نشأوا في نفس الظروف المؤسسية، لكنهم لم ينجحوا. ولا أقول إن عبد الفتاح السيسي لن ينجح بقدر ما أقول إنه لم يقدم من المسوغات والسياسات ما يجعلنا مطمئنين إلى أنه سينجح. قدم الكلام العادي الذي تسمعينه من أي ناظر مدرسة ينوي ضبط مدرسة. بل لا تلتفتين إلى حقيقة مهمة، أن السلطة التي عاشت بلا رقابة مجتمعية كانت السبب الرئيسي في فوضى القانون. المباني العشوائية التي نتذكر الآن أنها انفجرت بعد ٢٥ يناير ٢٠١١ موجودة ومتزايدة منذ الخمسينيات، في ظل السلطة "القوية"، والرشاوى والمحسوبية التي تربينا على الشكوى منها أطفالاً وعانينا منها شباباً مولودة ومستقرة منذ قبل مولدنا.

أما الاستثمار فشرطه بالنسبة لعبد الفتاح السياسي أن تشرف عليه مؤسسة بعينها من مؤسسات الدولة، المؤسسة العسكرية. لا ترين في هذا إخلالاً بشروط الإدارة السياسية، وتعميقاً لنفوذ المؤسسة العسكرية خارج مجال أمننا القومي الذي ندعمها فيه. لا ترين أن هذا يعكس عدم ثقة في المؤسسات المدنية يتشابه فيها العسكري الحالي مع العسكريين الذين سبقوه إلى حكم مصر. لا تغيير حقيقياً حدث في السلوك والرؤية. هل تتوقعين تغييرا في النتائج؟!

بل إن العلاقة المركبة للاستثمار مع السلطة تقدم لنا سبباً آخر للقلق. الاستثمار يحب، ويود ويعشق، أن يكون قريباً من السلطة. هذا القرب له شرط لازم هو الاحتكار. ثم إن قدرة السلطة على استيعاب "مقربين" محدودة. والوجه الآخر لها هو وجود "مبعدين" يشعرون بالإقصاء، وبالدونية التفضيلية.

بأي معنى؟

بمعنى أن الرغبة في الاحتكار السياسي، ومدخلها السيطرة الاقتصادية على كل شيء، تستلزم تحجيم العمل الرسمي القانوني لكي يظل في قدرة السيطرة، في قدرة المؤسسة المسيطرة على السيطرة، بينما يتحول الفائض عن هذه السيطرة - تلقائيا - إلى العشوائية، والعمل خارج الإطار الرسمي، أو يضطر إلى الرشوة والفساد في مستوى أصغر من مستوى القيادة السياسية، لكي يستطيع الحصول على موطئ قدم. كانت هذه أزمة أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وأصحاب رأس المال الراغب في العمل في ظل قانون وشفافية، خلال العقود السابقة. هل تظنين أن هذا سيتغير؟ أتمنى. لكنني تعودت في السياسة ألا أعتمد على الأمنيات. لا سبيل إلى شفافية الاستثمار سوى التنافسية، ولا سبيل إلى كسر احتكارية رأس المال سوى مزيد من رؤوس الأموال، لكي تتنافس، وتتعارض مصالحها، فتصل إلى قناعة بضرورة وجود قانون عادل، يضمن لهم الحق الأدنى. ناهيك طبعاً عن حديث السيسي المتكرر عن "الأمن القومي" وهو في معرض الحديث عن الاستثمار. كيف سيتعامل من هذه رؤيته مع رأس المال الأجنبي. كيف سيختار إن كان الخيار بين الرخاء والسيطرة.

وبالتالي، فإن فرص نجاح عبد الفتاح السيسي في إدارة البلد ربما تكون أفضل من فرص نجاح منافسه، ولكن هذا بسبب ما تقدمه له البلد، مؤسسات البلد، مؤسسة البلد (العسكرية)، من دعم وتأييد. لا أتجاوز هنا عن حقيقة أنه قادر على الحسم والتدخل واتخاذ القرار، على عكس ما رأيناه من الوجوه السياسية التي برزت خلال الفترة الماضية.

هل يمكن أن نضع الأمور في نصابها؟ هل يمكن أن ندير نقاشاً سياسياً لا يتأرجح بين الأبيض والأسود؟ هل يمكن أن نعبر عن تأييدنا لشخص، سواء كان السيسي أو حمدين صباحي، دون أن نحوله إلى إله؟ في هذا منفعة عظيمة لو حدث. نحن مضطرون في اختيارنا إلى أن نختار بين من أفرزتهما الحالة السياسية المصرية. لكننا لسنا مضطرين إلى الادعاء بأن هذا الاختيار "عبقري". نحن مضطرون إلى تشجيع الأهلي أو الزمالك في الدوري المصري، لكننا لسنا مضطرين إلى الادعاء بأن هذا الاختيار "عالمي". لأنه ليس كذلك. ولو ادعينا ذلك نظهر كمهرجين، ونحول رئيسنا المقبل إلى مروض قردة، يطلب منهم الامتثال، على وعد ببعض الموز والفول السوداني لو أحسنوا.