شرطيان يعتقلان متظاهراً في دكار.
شرطيان يعتقلان متظاهراً في دكار.
السبت 17 فبراير 2024 / 13:22

تقرير: منطقة غرب إفريقيا تنزلق نحو الاضطرابات

تلقت آفاق المكاسب الديمقراطية في غرب إفريقيا ضربتين موجعتين حتى الآن في عام 2024، وفق أليكس ثورستون، باحث غير مقيم في معهد كوينسي، وأستاذ مساعد للعلوم السياسية في جامعة سينسيناتي.

يهدد تعطيل التقويم الانتخابي في السنغال بإعادة الدولة خطوات إلى الوراء


ففي 28 يناير (كانون الثاني)، أعلنت دول الساحل الواقعة تحت الحكم العسكري، مالي وبوركينا فاسو والنيجر، انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس"، وهي كتلة اقتصادية ودبلوماسية إقليمية. وفي الثالث من فبراير (شباط)، أجَّلَ رئيس السنغال ماكي سال لفترة محدودة الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 25 فبراير من طرفٍ واحد، وصوتت هيئة تشريعية بعد يومين على تحديد موعد الانتخابات الجديد في 15 ديسمبر (كانون الأول).

"إيكواس" الفاعل الدبلوماسي

وقال الباحث في مقاله بموقع "Responsible Craft" إن لدى الولايات المتحدة، التي نظرت إلى مجموعة "إيكواس" بوصفها الفاعل الدبلوماسي الرئيس في صدارة مشهد الاستجابة لأزمات غرب إفريقيا، أسباب تدعوها للقلق وكذلك أسباب للتأمل، لا سيما فيما يتعلق بكيفية مساهمة إحجامها عن توجيه انتقادات جدية لحكام مدنيين في الوصول إلى هذا المنعطف.

 

 


وأشار الباحث إلى أن الأزمات التي اشتعلت في السنغال وداخل مجموعة "إيكواس" مترابطة بطرقٍ عديدة. فقد كانت "إيكواس" صريحة، ولكنها غير متسقة بشدة في محاولتها دعم المعايير الديمقراطية في المنطقة. وتدخلت عسكريّاً للإطاحة بالرئيس الغامبي يحيى جامع، بعد أن تنازلَ عن انتخابات بلاده عام 2016، لكنه حاول بعد ذلك قَلْب هذا القرار.
ويمثل هذا التدخل أعلى مستوى من قوة الإنفاذ التي تتمتع بها مجموعة "إيكواس" في السنوات الأخيرة. ولكن قبل ذلك وبعده، كانت ردة فعل مجموعة "إيكواس" ضعيفة إزاء الاستيلاء الصارخ نسبياً على السلطة، والتجاوزات التنفيذية من جانب زعماء غرب إفريقيا، الأمر الذي مهد الطريق للانقلابات والاضطرابات.
وشهدنا حالات تجاوز للصلاحيات من قبل رؤساء مدنيين، وشملت تلك الحالات استهداف أنظمة العدالة لشخصيات معارضة بارزة في لحظات تخدم مصالح الحكام الحاليين سياسياً، كما حدثَ في النيجر في عهد الرئيس محمدو إيسوفو، وفي السنغال في عهد سال.
ولم توجِّه مجموعة "إيكواس" سوى القليل من الانتقادات لتلك المناورات، أو لمحاولات رئيسي غينيا وساحل العاج تمديد فترات حكمهما لولاية ثالثة مشكوك فيها، أو للانتخابات التشريعية التي شابها كثير من التجاوزات في مالي التي جرت جميعها في عام 2020.

حالة من السخط

وساهمت حالة السخط بعد الانتخابات بشكلٍ مباشر في الانقلابات التي شهدتها مالي (2020) وغينيا (2021)، ما يوحى بأن إحجام مجموعة مجموعة "إيكواس" (وقوى غربية أخرى) عن انتقاد الحكام المدنيين الحاليين، قد يؤدي في الواقع إلى تأجيج عدم الاستقرار السياسي، بدلاً من تهدئته.
وأدى تسامح مجموعة "إيكواس" مع تجاوز السلطة المدنية إلى إضعاف مصداقيتها عند التفاوض مع الانقلابيين في مالي وغينيا وبوركينا فاسو والنيجر، ومن المرجح أن يكون هذا التسامح نفسه أحد العوامل التي جرَّأت سال على قراره الأخير بتأجيل انتخابات السنغال، حسب الباحث.

 


وفقدت مجموعة "إيكواس" أيضًا مكانتها بسبب نظام العقوبات الفاشل الذي فرضته على مالي في عام 2022، ولم ينجح في إخضاع المجلس العسكري هناك، وبسبب تهديدات بعض الأعضاء بغزو النيجر بعد انقلاب 2023، واحتجاز الرئيس محمد بازوم وعائلته لاحقًا وإلى الآن.
وأثار قرار مجالس الساحل العسكري بالرحيل عن مجموعة "إيكواس" العديد من التساؤلات حول مستقبل المجموعة، ومستقبل المنظمات الإقليمية الأخرى في غرب إفريقيا كالاتحاد النقدي لغرب إفريقيا (مجموعة من الدول الناطقة بالفرنسية التي تستخدم عملة موحدة). وحتى الآن، لم تغادر مالي والنيجر وبوركينا فاسو المنظمة الأخيرة.

التأثير الاقتصادي أشد وطأة

ورغم ذلك، يقول الباحث، يمثل خروج الدول الساحلية الثلاث تراجعاً كبيراً لسلطة مجموعة "إيكواس"، إلا أن التأثير الاقتصادي قد يكون أشد على منطقة الساحل أكثر من باقي منطقة غرب إفريقيا، نظراً لاعتماد الأولى على الثانية (بما في ذلك الموانئ وتحويلات العمال المهاجرين، إلخ) أكثر من اعتماد غرب إفريقيا على منطقة الساحل.
وأضاف أن الانسحاب من مجموعة "إيكواس" يتيح للمجالس العسكرية تأخير الانتقال إلى الحكم المدني لفترة أطول، ويقوض نفوذ مجموعة "إيكواس" على الدول الأعضاء المتبقية.
وفي تلك الأثناء، يهدد تعطيل التقويم الانتخابي في السنغال بإعادة الدولة خطوات إلى الوراء. فالديمقراطية في السنغال لم تكن مثالية. وشهدت البلاد حكم الحزب الواحد بحكم الواقع (ولفترة من الوقت، بحكم القانون) لأول 40 عاماً من استقلالها، وبعد فوز المعارضة غير المسبوق الذي حققه عبد الله واد في عام 2000، استغرق الأمر تعبئة شعبية هائلة لضمان تنازل واد في نهاية المطاف عن انتخابات 2012، عندما انقضت ولايته.
ولفت الباحث إلى أن فترة حكم سال شهدت سلسلةً من القضايا العدوانية في المحاكم ضد أي شخص يُعدُّ خصماً أساسيّاً للرئيس في وقت معين، إذ مُنع ثلاثة شخصيات بارزة في أوقات مختلفة من خوض الانتخابات. ومع ذلك، فإن ديمقراطية السنغال ليست مزيفة، إذ تتمتع البلاد بعدة ميزات نادرة في المنطقة، ولا سيما عدم وقوع انقلاب عسكري ناجح. وحتى عام 2024، لم تُؤجَّل أي انتخابات رئاسية هناك.
وكان سال قد تعهَّد بالفعل على مضض بعدم الترشح لولاية ثالثة، وكان من المتوقع أن تكون انتخابات عام 2024 (وربما لا تزال) تتويجاً لخليفته المختار بعنايةٍ رئيس الوزراء أمادو با. ومع ذلك، يثير التأجيل مخاوفَ من أن سال ربما تكون في جعبته مناورات أخرى.

بيان أمريكي يحذر

وأصدرت الحكومة الأمريكية بياناً قوياً نوعاً ما، أبدت فيه مخاوفها من تأجيل الانتخابات في السنغال ومعاملة قوات الأمن القاسية للمعارضة السياسية، بالإضافة إلى قيود الحكومة على الوصول إلى الإنترنت.
وقال الباحث: "كان بالإمكان للبيان أن يكون أقوى لو ذُكر اسم سال صراحةً بدلاً من الإشارة الغامضة إلى حكومة السنغال. ويُفترَض أن المسؤولين الأمريكيين يعملون أيضاً وراء الكواليس للضغط على سال لإجراء الانتخابات وعدم تأجيلها بعد تاريخ 15 ديسمبر ونأمل أن يكون المسؤولون قد هددوا بعواقب ملموسة في حال عدم حدوث ذلك".
وأضاف: يجب أن يدعو هذا الموقف أيضاً إلى التأمل في النحو الذي بلغت به الأمور هذا المنعطف. بالطبع، لا يتوفر السجل الدبلوماسي الكامل أمام عموم الناس، ولكن إذا لم يكن المسؤولون الأمريكيون قد وجَّهوا في وقت سابق انتقادات حادة بشأن معاملة النظام القانوني لمعارضي سال، فقد أضاعوا فرصة جوهرية لمنع السيناريو الذي يتجلى الآن. وعادة ما يكتفي المسؤولون الأمريكيون بالاستقرار السطحي في العديد من دول غرب إفريقيا، ويرفعون بعض الدول (السنغال والنيجر في السنوات الأخيرة، وساحل العاج مؤخراً) إلى مرتبة البلدان المفضلة، مما يترتب عليه التساهل مع قادتها.
وتابع: "في ظل دخول منطقة الساحل في فترة سياسية أكثر قتامة، إذ تلقي المجالس العسكرية القبض على المعارضين والأصوات المستقلة يميناً ويساراً، وفي ظل اضطراب السنغال، يتعين على المسؤولين الأمريكيين أن يكونوا أسرع في توجيه انتقادات بنَّاءة لأصدقائهم المتبقين في المنطقة خشية تدهور الأوضاع أكثر".