رجال أمن في أحد شوارع إقليم باداخشان في أفغانستان.
رجال أمن في أحد شوارع إقليم باداخشان في أفغانستان.
الخميس 29 فبراير 2024 / 14:21

مكاسب روسيا في أوكرانيا يتردد صداها في آسيا الوسطى

24- طارق العليان

رأى بهادر أكومار دبلوماسي سابق، وسفير الهند السابق في أوزبكستان وتركيا، أن الانتصار الروسي المذهل في معركة أفدييفكا على الجيش الأوكراني يُعزز مصداقية روسيا بوصفها ضامنةً للأمن في منطقة آسيا الوسطى، فلا يغفل على الدول الأوراسية أن روسيا وضعت حلف الناتو في موقف عصيب بجهودٍ منفردة.

جهود موسكو المنسقة لتوثيق العلاقات مع حركة طالبان اكتسبت زخماً

وقال أكومار في تحليل بموقع "نيوز كليك" : "أمست هذه لحظة فارقة، إذ تُتمِّم الشعور بالراحة الناجم عن الوضع الطبيعي الجديد في أفغانستان، وذلك بفضل التعامل الدبلوماسي الفعال لروسيا مع حركة طالبان."

وأشار إلى أن هناك جولة أخرى من الدعاية الغربية الخبيثة تتلاشى تدريجياً، إذ تستند إلى افتراضات خاطئة مفادها أن نفوذ روسيا في آسيا الوسطى "في تراجع" وأن دول آسيا الوسطى "تخرج من تحت مظلة روسيا وتؤكد استقلالها بطرقٍ لم تشهدها منذ انهيار الشيوعية عام 1991" (فايننشال تايمز) وأنه في أعقاب الحرب في أوكرانيا، ربما يكون قادة آسيا الوسطى "يفكرون الآن في المدة التي سيظل فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قادراً على البقاء في السلطة" (راديو فري يوروب/راديو ليبرتي).

 قصة نجاح آسيا الوسطى

وأشار الكاتب إلى أن الأداء الاقتصادي للمنطقة سجل عام 2023 نمواً قوياً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.8%. وساهمت روسيا في قصة النجاح هذه، إذ أدَّت الحرب في أوكرانيا إلى انسحاب الشركات الغربية من السوق الروسية، مما خلق فرصاً جديدة للدول الإقليمية.

ودفعت ظروف العقوبات الشركات الروسية ورأس المال والمواطنين الروس إلى نقل أعمالهم إلى منطقة آسيا الوسطى.

ولم يُفوِّت رواد الأعمال في آسيا الوسطى الفرص المُجزية لتأمين البضائع والتكنولوجيا الغربية لأجل السوق الروسية، إذ يسيرون بِخطى حذرة لضمان الامتثال للعقوبات الغربية، وفي الوقت نفسه يُعززون الترابط والتكامل مع الأسواق الروسية. وأدى انتعاش الاقتصاد الروسي ونموه بنسبة 3.6% في العام الماضي إلى خلق فرص تجارية لبلدان آسيا الوسطى.

 إحداث نهضة في المنطقة

وأوضح الكاتب أن سياسات موسكو تهدف إلى إحداث "نهضة" في علاقات المنطقة مع روسيا.

ويعني الفكر الجديد في موسكو أن بوتين أدّى دوراً مباشراً في الحفاظ على وتيرة عالية من الاتصالات مع قادة آسيا الوسطى على المستوى الشخصي، مستفيداً من جميع صيغ التفاعل المتاحة، سواء الثنائية أو الإقليمية.

وسمحَ النهج الروسي للدول الإقليمية باتخاذ موقف "محايد" من الحرب. 

ولفت الكاتب النظر إلى أنه من أكبر التحديات التي يواجهها المراقبون الخارجيون أن مواقف دول وسط آسيا غالباً ما تكون ضمنية وغير معلنة، وفي ظروف معينة مثل حرب أوكرانيا، يلزم استخلاص تفضيلاتها من الإيماءات والإشارات.

لذلك، كانت المشاركة الجماعية لرؤساء دول وسط آسيا في عرض 9 مايو (أيار) في موسكو جنباً إلى جنب مع بوتين في الميدان الأحمر بمنزلة إيماءة قوية بالدعم لروسيا ولبوتين شخصياً.
وخلال عام 2023، تعرضت دول وسط آسيا لمحاولات دبلوماسية غربية غير مسبوقة لحثها على الالتزام بالعقوبات المفروضة على روسيا، إذ زار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المنطقة، واستضاف الرئيس الأمريكي جو بايدن والمستشار الألماني أولاف شولتس قمتين تاريخيتين على غرار قمة "C5 + 1" في واشنطن وبرلين.
لكن يبدو أن الغرب لم يستوعب رسالة دول وسط آسيا الواضحة، فقد أبلغ وزير الخارجية في كازاخستان بلينكن بأن أستانا "لا تشعر بأي تهديدات أو مخاطر من الاتحاد الروسي".

والبيانات المشتركة الصادرة بعد قمتي "C5 + 1" لم تأتِ على ذِكر أوكرانيا!

عقدة "الأخ الأكبر"

وذكر الكاتب أن سياسة بوتين الجديدة تُرجئ الخطة الكبرى، وتُركز بدلاً من ذلك على تعزيز علاقات روسيا بدول وسط آسيا، وجَرَت لقاءات بوتين مع نظرائه من طاجيكستان وأوزبكستان وكازاخستان في قازان يوم الأربعاء في أجواءٍ مريحة للغاية.

والمثير للاهتمام أن رئيس طاجيكستان إمام علي رحمن، لم يتمنَ لبوتين النجاح "في كل ما يفعله" وحسب، بل تمنى أن يتحلى "بأعصابٍ فولاذية".

وأكد رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف، على أن "روسيا حققت نجاحات ملحوظة ومؤثرة تحت قيادة بوتين المتميزة".

وتُعدُّ ملاحظة توكاييف جديرة بالملاحظة بشكل خاص، إذ كان المحللون الغربيون يعتبرونه متمرداً محتملاً ضد بوتين!

ومع ذلك، إذا تغيرت العلاقة الأمنية بين روسيا ومنطقة آسيا الوسطى خلال العامين الماضيين، فذلك لأن جهود موسكو المنسقة لتوثيق العلاقات مع حركة طالبان اكتسبت زخماً مؤخراً.

فإذا كان النمط التقليدي للتصدي للمخاوف الأمنية يكمن في اللجوء إلى الوسائل العسكرية وعزل المنطقة عن أفغانستان، فإن الدبلوماسية الروسية تحولت إلى نهجٍ مختلف جذرياً بالتفاعل البنّاء مع طالبان والسعي إلى جعل الأخيرة طرفاً فاعلاً في بناء علاقات تعاونية ضمن مجموعة من المصالح المشتركة.
وقدَّرَت موسكو أنَّ حكم طالبان قد ضَمَنَ الاستقرار للوضع الأفغاني بشكلٍ ملحوظ، ومن مصلحة روسيا مساعدة إدارة كابول على مواجهة العناصر المتطرفة في أفغانستان (خاصةً تنظيم داعش).

واستفادت روسيا من نفوذها مع دول وسط آسيا لضمان عدم حصول قوات "المقاومة" المناهضة لطالبان المدعومة من الغرب على ملاذات آمنة.

تفاعل إيجابي لطالبان مع روسيا

وأبدت حركة طالبان تفاعلاً إيجابياً ملحوظاً مع التقاربات الروسية الهادفة إلى تعزيز الدولة الأفغانية.

ووصل الأمر بطالبان مؤخراً إلى مقاطعة مؤتمر حول أفغانستان استضافته الأمم المتحدة يومي 18-19 فبراير (شباط)، إذ كان في الواقع محاولةً من الولايات المتحدة لإعادة التواصل مع طالبان بحجة تعزيز "الحوار الداخلي الأفغاني".
بالطبع، أدركت طالبان حيلة الغرب لإعادة بناء شبكة استخباراته في أفغانستان وواجهته بشروط لمشاركتها في مؤتمر الدوحة، بما في ذلك أن تكون الممثل الوحيد لأفغانستان في الاجتماع.