الخميس 21 مارس 2024 / 09:40

الفراغ اللبناني

افتتاحية الخليج

لبنان بلا رئيس جمهورية منذ سنتين وخمسة أشهر، وتديره منذ ذلك الحين حكومة تصريف أعمال برئاسة نجيب ميقاتي، وعقد مجلس النواب 12 جلسة فاشلة لانتخاب رئيس جديد، كان آخرها في يونيو (حزيران) الماضي، ومن بعدها لا يزال اللبنانيون ينتظرون الرئيس حتى الآن.

حاولت فرنسا التوسط لإقناع الأطراف اللبنانية بضرورة انتخاب رئيس، وأرسلت مبعوثها الخاص باتريك دوتيل وفشل في مهمته، ثم أرسلت وزير خارجيتها السابق جان إيف لودريان الخبير بشؤون الشرق الأوسط ثم فشل، وبعدها تحاول اللجنة الخماسية التي تضم السعودية ومصر وقطر والولايات المتحدة وفرنسا في إطار حراك جديد متواصل البحث عن صيغة لسد الفراغ الرئاسي.. وما زالت تدور في حلقة مفرغة.

يبدو أن الأطراف اللبنانية المتصارعة غير مستعجلة، وربما غير مكترثة إن كان هناك رئيس أو استمر الفراغ. حتى الشعب اللبناني اعتاد على الفراغ في كل المؤسسات، ليس بالنسبة للرئاسة بل لغيرها من المؤسسات. اللبناني لا يرى أن هناك فرقاً بين وجود رئيس أو عدم وجوده، أو وجود حكومة، أو مع حكومة تصريف أعمال.. لا فرق بالنسبة للمواطن اللبناني الغارق في أزمات متراكمة من فقر وجوع وفساد وغلاء ونهب للمال العام وسطو على ودائع الناس. مجلس النواب إذا التأم فهو عاجز عن انتخاب رئيس بسبب الانقسام العمودي بين الموالاة والمعارضة، وعدم قدرة أي طرف على تأمين النصاب ( 86 نائباً من أصل 128 نائباً) الذي يسمح بانتخاب الرئيس.
ليست المرة الأولى التي يعيش فيها لبنان في "فراغ رئاسي". حدث ذلك ثلاث مرات، الأولى استمرت 13 شهراً من سبتمبر(أيلول) 1988 إلى نوفمبر (تشرين الثاني) 1989، والثانية 6 أشهر من نوفمبر(تشرين الثاني ) 2007 إلى مايو (أيار) 2008، والثالثة استمرت 29 شهراً من مايو(أيار) 2014 إلى أكتوبر (تشرين الأول) 2016.
وهكذا فـ"الفراغات" ليست جديدة، وانتخاب الرئيس في لبنان لم يكن يوماً صناعة لبنانية، بل كان نتيجة عوامل داخلية وإقليمية ودولية وتوافقات بين أطراف عدة على اسم ومواصفات الرئيس.
لذلك، فالجهود التي تبذلها عدة أطراف عربية ودولية لانتخاب رئيس جديد هي لتقطيع الوقت بانتظار ما يمكن أن يستجد على الساحتين الإقليمية والدولية، وبعدها يتم التوافق على الرئيس.
لكن، هل انتخاب رئيس للجمهورية يحل الأزمة اللبنانية ويضع حداً لأزماته السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتواصلة التي تقود كلها بين فترة وأخرى إلى صدام أهلي ذي أبعاد طائفية وسياسية كما حصل العام 1958 والعام 1975؟
هذا سؤال مطروح على الساحة اللبنانية منذ استقلال لبنان عام 1943، ولا يزال اللبنانيون يبحثون عن جواب، ويصطدمون في كل مرة بجدار سميك من "المحاصصة" الطائفية التي تم تصميمها كنظام سياسي، والتي تحولت إلى هويات فرعية قاتلة بديلاً للهوية الوطنية الجامعة التي تتجاوز الطوائف والمذاهب، بحيث يكون الولاء للوطن فقط وليس لغيره في الداخل والخارج.
وقد وجد أرباب السياسة والطوائف في هذا النظام ضالتهم، فعمدوا إلى تأبيده وتحنيطه، لأنه يوفر لهم السلطة التي تعطيهم السيطرة والهيمنة، لذلك يعمد هؤلاء إلى استخدام الطائفية سلاحاً للتحريض كلما شعروا بأن مواقعهم تهتز أو معرضة للخطر.
لا حلّ في لبنان إلا بإلغاء الطائفية السياسية، وعندها تستقيم الأمور ويتم سد كل "الفراغات".. ويشعر اللبناني أنه يعيش في وطن.