رايات الاتحاد الأوروبي في بروكسل
رايات الاتحاد الأوروبي في بروكسل
الأربعاء 27 مارس 2024 / 11:43

فايننشال تايمز: الأوروبيون غير مستعدين لعسكرة قارتهم

بعدما قاد بولندا بين 2007 و2014، يمكن لرئيس الوزراء البولندي الحالي دونالد تاسك أن ينال بعض الفضل مع اقتراب بلاده من مستويات المعيشة في أوروبا الغربية. الآن، في ولايته الثانية، لم يعد لدى أوكرانيا صديق أكثر صخباً في العالم.

على الأوروبيين أن يتحملوا ضرائب أعلى أو دولة رفاهية أصغر

وكتب جنان غانيش، في صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية أن الحديث عن بولندا باعتبارها الوريث المستقبلي لبريطانيا – بما أنها صوت مؤيد للسوق، ومؤيد للولايات المتحدة، ومؤيد للقتالية في الاتحاد الأوروبي – يبدو متسرعاً. يبلغ عدد سكانها نحو نصف سكان بريطانيا مع نفوذ دبلوماسي أقل. لكن الانسيابية التي يتمتع بها تاسك في تلك المؤسسات بصفته أحد المسؤولين البارزين السابقين في بروكسل تعمل على تضييق الفجوة.

ما تفتقر إليه أوروبا

مهما كان ما تفتقر إليه أوروبا في سعيها للتحول إلى قوة صلبة فهو ليس القيادة. حتى بصرف النظر عن تاسك، كانت أورسولا فون دير لاين رئيسة قوية للمفوضية الأوروبية في زمن الحرب. ويرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الآن أن الكرملين معاند. يبدو ريشي سوناك والسير كير ستارمر كأنهما شخص واحد في السياسة تجاه أوكرانيا، إلى درجة أن هذا الموضوع لا يُطرح أبداً في السياسة البريطانية. وبصفتها شعبوية إيطالية، أمكن لرئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني أن تكون مدافعة عن روسيا. لكنها ليست كذلك. حتى المستشار الألماني أولاف شولتس، المتردد المزعوم، أشرف على تحول ألمانيا بسهولة إلى أكبر مانح أوروبي للمساعدات العسكرية لأوكرانيا.
ثمة دائماً أسباب لاستعارة مجازية مستنفدة عن المحرك الفرنسي-الألماني الذي يتعطل وما إلى ذلك وفق الكاتب. لكن هذه الانقسامات هي خطأ تقريبي عند المقارنة مع المشكلة الحقيقية، وهي الناخبون الأوروبيون.


لماذا؟

من أجل العسكرة بمقدار مناسب، تحتاج أوروبا إلى أن يتحمل مواطنوها ضرائب أعلى أو دولة رفاهية أصغر. وللتعرف إلى مدى احتمال حدوث ذلك، يمكن للقراء أن يضعوا في اعتبارهم أن أكبر الاحتجاجات في فرنسا هذا القرن كانت ضد تدابير تشديد الموازنة: ضريبة الوقود سنة 2018، وزيادة سن التقاعد العام في 2023.


وتتحمل المملكة المتحدة عبئاً ضريبياً مرتفعاً بمعاييرها الخاصة، وذلك بعد 14 عاماً من حكومة تنتمي لليمين الوسط. أما بالنسبة إلى ألمانيا، فقد تبين أن نموذجها الاقتصادي كان يراهن على المدخلات الروسية والطلب الصيني. مع حصار مالي كهذا، وبدون ذكر تكاليف التحول الأخضر، من يعتقد أن الناخبين سيمنحون الأولوية لإعادة التسلح؟


اعترفوا ضمناً

على حد تعبير دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي الأسبق – هناك أوروبا "جديدة". في شرق ووسط القارة المعرضين لروسيا، الناخبون على استعداد للتخلي عن أشياء أخرى في سبيل القوة الصلبة. لكن مصير أوروبا لا يزال يتحدد بشكل كبير عبر احتكار القلة من البلدان التي يبلغ عدد سكانها 60 مليون نسمة أو أكثر. ليس هناك الكثير مما يشير إلى أن ناخبيها على استعداد لقبول تمزق العقد الاجتماعي الرفاهي من أجل العسكرة.
من ناحية ما، لقد اعترفت أوروبا ضمناً بذلك. كان بإمكانها أن تفعل المزيد لحرمان روسيا من الإيرادات بعد غزو أوكرانيا. كان بإمكانها فرض قيود على واردات الطاقة. لكن تقرر أن الناخبين لن يتحملوا الفواتير. كان هذا الحكم دقيقاً بلا شك. وهذه هي القضية.


القياة

قد يقول البعض إنه "يجب على القادة أن يقودوا، لا أن يتبعوا"، ولكن هذه رؤية حالمة للسياسة. إن مدى "انقياد" الجمهور ضد تفضيلاته مبالغ فيه من قبل الرومنسيين. كان فرانكلين روزفلت أقرب ما يكون إلى سياسي مثالي، ولم يتمكن من إقناع الأمريكيين بالدخول في الحرب العالمية الثانية حتى عجلت الإمبراطورية اليابانية الأمور.


الناخبون هم الذين يضعون حدود ما هو ممكن. إذا كان لأوروبا أن تحترم خطط القوة العظمى الخاصة بها، فلا بد من حدوث شيء يجعل الإنفاق الدفاعي مسألة وجودية حقيقية في نظر البريطانيين والألمان، كما هي الحال بالنسبة إلى البولنديين والإستونيين.


مقولة 

يرى غانيش أن الخبر الجيد يكمن في أن أوروبا تتمتع بقيادة جيدة بالمقارنة مع الولايات المتحدة. أما الخبر السيئ فهو أن القادة لا يمكنهم أن يفعلوا الكثير ضد المشاعر العامة. حدثت "نقطة التحول التاريخية" لشولتس داخل أروقة المستشارية. لا يعرف المراقبون ما إذا كان ذلك قد حدث في العائلات. ويشير الكاتب في الختام إلى أنه لا يستطيع أن يخرج من ذهنه مقولة منسوبة إلى زعيم أوروبي آخر، في عصر آخر، في سياق آخر (يقصد الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية جان كلود يونكر): "نحن نعرف جميعاً ما يجب القيام به. لكننا لا نعرف كيف نعيد انتخابنا بعد قيامنا به".