الإثنين 26 مايو 2014 / 13:29

حين أسقط الزهايمر جدتي من النافذة


"أطلب من الله ألا يعيش أحد معاناة أسرة مع فرد من أفرادها مصاب بمرض الزهايمر".. دعاء سمعته من امرأة كانت بصحبة أمها التي تعاني من المرض، كانت هذه السيدة تقبض على معصم الأم بقوة وكأنها طفل صغير تخاف أن يفلت من قبضتها ويضيع في الزحام.

على الرغم من تأثري بهذا المشهد المؤلم، غير أنني لم أتخيل أن الزهايمر سيدخل عقر دارنا ويصيب قدوة العائلة "جدتي"، إذ كان خبر إصابتها بهذا المرض أشبه بوقع القنبلة على كل أفراد الأسرة لدرجة تعذر عليهم حفظ اسم المرض، الذي كان بالنسبة لهم غريباً تماماً عن محيطهم وثقافتهم.

لست بصدد مناقشة أسباب الإصابة به أو الدراسات الغزيرة التي بحثت في كيفية علاجه والوقاية منه، أو عدد الإصابات السنوية بهذا المرض حول العالم، بل التركيز حول تفهم الأسرة لحالة المريض كونها الخطوة الأولى للتعامل الصحيح مع هذا المرض، فما أسقط جدتي من النافذة ليس الزهايمر وحده، بل بسبب عدم قدرة العائلة على استيعاب التغييرات في سلوكها بفعل هذا المرض.

ومن أكثر المواقف التي حفرت في ذاكرتي، حين نقلت جدتي إلى المستشفى قبل أسابيع من وفاتها، وبينما كانت العائلة مجتمعة حول فراشها من أبناء وأحفاد ليطمئنوا على صحتها، راحت تختلق قصصاً عن محاولة تعرضها للخطف تارة، ومحاولة الممرضة خنقها تارة أخرى، لدرجة تحولت بالنسبة لأحفادها إلى"مهرج" يضحكهم في المستشفى.

هذا المشهد لم ينته بالنسبة لي مع توقف قهقهات العائلة، بل فتح صندوق ذكرياتي،  واسترجعت شريط حياتي مع جدتي، فأعادتني هذه اللحظة المؤلمة إلى منزلها حيث علمتني خطواتي الأولى ودخلت إلى غرفتها حيث كنت كل يوم أدعي النوم أمام والدي لأفوز بما تبقى من الليل بجانبها لأغفو على الحكايات التي كانت ترويها لي من دفاتر بطولاتها أيام الصبا.

هذه اللحظة في المستشفى لم تمر مرور العابر، ولن تمر ما تبقى من حياتي، فقد كانت اللحظة التي حولت جدتي من قدوة العائلة إلى "مهرج" لها، ليس بالنسبة لأحفادها فحسب، بل إلى كل من لم يستوعب ما هو الزهايمر من هذه العائلة، حينها تألمت وتيقنت مما كنت أسمعه بأن "الموت أحياناً يكون أرحم من الحياة"... وما هي إلا أسابيع حتى تلقيت اتصالاً يقول بأن "جدتي سقطت من النافذة...".

ما يمكن قوله في النهاية، أن ألزهايمر مرض قاس جداً على أفراد أسرة المصاب به. والقسوة ليست فقط نفسية من رؤية الشخص العزيز يفقد أدنى القدرات على العناية بنفسه أو التحكم في تبوله أو معرفة ما يدور حوله أو التعرف على أبنائه وبناته وأحفاده، بل تتعداها إلى كيفية الصبر والتحمل لإعادة رد الجميل بالعناية ممن قدم الرعاية لهم وهم أطفال صغار ولم يتذمر ألبتة حتى كبروا، خاصة أن الطب لا يملك أي حلول ناجعة حتى الآن.