جنود لاتفيون يحملون راية الناتو وعلم بلادهم في ذكرى انضمام بلادهم للحلف (أرشيف)
جنود لاتفيون يحملون راية الناتو وعلم بلادهم في ذكرى انضمام بلادهم للحلف (أرشيف)
الخميس 18 أبريل 2024 / 23:04

روسيا تختبر صبر الناتو عبر دول البلطيق

يعمل حلف الناتو على تعزيز حدوده الشرقية عبر بناء المئات من التحصينات الدفاعية حول دول البلطيق الثلاث المجاورة لروسيا، في إطار خطة لرفع كفاءة الحلف في وجه أي هجوم روسي محتمل.

وبدأ الحلف في تنفيذ خطته الدفاعية إنطلاقاً من إستونيا، عبر حفر أخاديد على طول الحدود وملئها بالإسمنت. وفي ليتوانيا، الواقعة جنوباً، انتشرت على طول الحدود، أوتاد مضادة للدبابات، وأسلاك شائكة، وكتل خرسانية صممت جميعاً لإبطاء الروس. أما لاتفيا وليتوانيا، فأقامتا أسواراً على حدودهما مع روسيا وبيلاروسيا. 

هجوم روسي محتمل

وتعد خطة تفعيل التحصينات الدفاعية الاستباقية في البلطيق، علامة واضحة على سعي الناتو لرفع جهوزيته في دول الخط الأمامي، مع تفاقم الصراع في أوكرانيا،  بعد أن أحبط الجيش الروسي هجوم كييف المضاد، واستعاد زمام المبادرة في ساحة المعركة.

ويرى زعماء دول البلطيق الثلاث، أن هزيمة روسيا في أوكرانيا هي أفضل وسيلة لضمان أمنهم. 
ويقول رئيس لجنة الشؤون الخارجية في برلمان ليتوانيا لصحيفة "فايننشال تايمز"، إن "مسألة أوكرانيا وجودية الآن بالنسبة لنا".


وخلال الأشهر الأخيرة تزايدت التحذيرات من احتمال وقوع هجوم روسي على حلف شمال الأطلسي في العقد المقبل. وما يلفت النظر بحسب الصحيفة، هو ليس ما يجري من استعدادات في عواصم دول البلطيق، فيلنيوس وريغا وتالين فقط، ولكن أيضاً في ستوكهولم وبرلين ولندن، حيث يقترح وزراء في تلك الدول الاستعداد لمواجهة محتملة في غضون عامين إلى 8 أعوام مع روسيا. 

ويرى القادة الإقليميون، أن دول البلطيق الثلاث بمساحاتها الجغرافية الصغيرة، وارتباطها البري الضيق ببقية حلف شمال الأطلسي، هي المكان الذي يمكن لبوتين أن يسعى فيه لاختبار وحدة الحلف وعزمه من خلال استفزازات مزعزعة للاستقرار، أو حتى هجوم عسكري صريح.

عودة ترامب

وتتفاقم هذه المخاوف بسبب احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني)، الأمر الذي سيثير شكوكاً جدية حول التزام الولايات المتحدة بالأمن الأوروبي في وقت يؤمن فيه عدد قليل من المسؤولين أو المحللين بقدرة أوروبا على الدفاع عن نفسها. 

وبحسب مستشار الأمن القومي السابق في لاتفيا والرئيس السابق لجهاز المخابرات الخارجية، فإن "سيناريو الكابوس يتمثل في استغلال روسيا لفرصة عودة ترامب لإظهار أن الناتو منقسم تماماً.. والمكان المناسب للقيام بذلك هو دول البلطيق".

وإلى جانب التوتر المتزايد، هناك شعور بأن دول البلطيق أكثر أماناً مما كانت عليه منذ قرون بفضل عضويتها في الناتو كما تعترف إنغريدا سيمونيته رئيسة وزراء ليتوانيا. وقد تم تعزيز التحالف الدفاعي الغربي العام الماضي عبر انضمام فنلندا والسويد للحلف الدفاعي، مما حول بحر البلطيق إلى "بحيرة الناتو"، بحسب سيمونيته. 

وترسل دول الناتو بقيادة ألمانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى قوات إضافية إلى دول البلطيق ودول المواجهة الأخرى باستمرار. ومن المقرر أن تزيد إستونيا ولاتفيا وليتوانيا إنفاقها بنسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع في السنوات القليلة المقبلة، وهو أعلى بكثير من هدف الناتو البالغ 2%، والذي أشار ترامب إلى أنه قد يصبح مطلباً لحماية الولايات المتحدة. 

البلطيق أكثر أمانا

يقول مارغوس تساكنا، وزير خارجية إستونيا، "نحن أكثر أماناً من أي وقت مضى. إذا اختبر بوتين الناتو، فإن الناتو سيعمل بقوته".
ويقول تساكنا، إن الخطوط الدقيقة التي يتعين على كبار المسؤولين والدبلوماسيين والخبراء في منطقة البلطيق اتباعها عند التعامل مع ما يعتبرونه تهديداً هي، دق ناقوس الخطر، وحث زملائهم الأوروبيين على الاستثمار أكثر في الدفاع دون تقويض الردع؛ والحفاظ على الثقة في الدفاع الجماعي دون الرضا عن الانعزالية الأمريكية.
انضمت إستونيا ولاتفيا وليتوانيا إلى الناتو قبل 20 عاماً تقريباً، أي قبل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. واستعادت الدول الثلاث التي ضمها الاتحاد السوفيتي في عام 1944 استقلالها في أوائل عام 1990. وتم تجاهل تحذيراتهم المتكررة بشأن الانتقام الروسي وهو خطأ اعترف به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وغيره من القادة الأوروبيين.


ويطبق مسؤولو الأمن في البلطيق نموذجاً قياسياً لتقييم الخطر الروسي، وقال جهاز المخابرات الخارجية في إستونيا في فبراير (شباط)، إن "الروس يفكرون في صراع عسكري محتمل مع حلف شمال الأطلسي خلال العقد المقبل".

مهاجمة الناتو.. مستحيلة

وفيما يتعلق بالقدرات، هناك اتفاق واسع النطاق على أنه بعد تحويل جميع الموارد إلى أوكرانيا، فإن روسيا ليست في وضع يسمح لها بمهاجمة الناتو في أي وقت قريب.
ويؤكد رئيس لاتفيا إدغارز رينكيفيكس، "إنهم يفهمون حقاً أن مهاجمة الناتو أمر مستحيل، لكن ما يأملون به هو أن نصبح أضعف، سيفعلون (الروس) كل ما في وسعهم لمهاجمتنا".
وتشمل خطط الإصلاح العسكري الروسي التي تم الكشف عنها العام الماضي مضاعفة عدد القوات المتمركزة بالقرب من منطقة البلطيق إلى ما يقرب من 40,000 جندي بحلول عام 2026، مع زيادة كبيرة في الدبابات والمركبات المدرعة.


ويقول دبلوماسي بارز في الاتحاد الأوروبي من دول البلطيق للصحيفة، "التصور هنا هو أن دول البلطيق في خطر.. بطريقة متعددة الأشكال: ليس فقط عسكرياً، بل اقتصادياً أيضاً".