رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت
رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت
الخميس 23 مايو 2024 / 09:46

قرار الجنائية الدولية.. و"سؤال الحرب"

تشكّل القضية الفلسطينية هذه الأيام حضوراً لافتاً على خلفية حرب الإبادة الدائرة الآن في غزة، ويشمل هذا الحضور عدة مجالات، منها: العسكري، والسياسي، والاقتصادي، والإنساني، إضافة إلى البعد الحقوقي(القانوني)، الذي أزعج إسرائيل لأنه ينزع عنها شرعية حماية نفسها بالشكل الذي تظهر عليه في الوقت الراهن، بل يعتبر ما تقوم به جرائم ضد الإنسانية.

هذا الأمر قد تعوّلُ عليه الأطراف المؤيدة لإسرائيل

البعد القانوني لتقييم للحرب الإسرائيلية في غزة اكتسى في الأيام الأخيرة أهمية خاصة، بعد إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان تقديم طلبات إلى المحكمة لاستصدار أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت.
وعلى الجانب الفلسطيني شمل طلب أوامر الاعتقال ثلاثة من القادة البارزين، هم: زعيم حركة حماس في غزة يحيى السنوار، ومحمد دياب إبراهيم المصري المعروف بمحمد الضيف القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري للحركة، وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس.
لاشك أن كريم خان لا يستعمل ما يعرف في القانون بـ" التّعسف في استعمال الحق"، ليس فقط لأنه ليس طرفاً في موضوع الحرب في فلسطين، إلا إذا نظر إليه من زاوية تأثره بمشاهد القتل والدمار كما هو الأمر لمعظم سكان العالم، وإنما لأن حكمه مؤسَّس على معطيات جمعها مكتبه خلال الشهور الماضية ميدانياً، إضافة إلى الأخرى التي نتابعها يومياً بالصوت والصورة.
في هذا السياق يذكر كريم خان أنه "استناداً إلى الأدلة التي جمعها مكتبي وفحصها، لديَّ أسباب معقولة للاعتقاد أن نتانياهو وغالانت، يتحملان المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، التي ارتكبت على أراضي دولة فلسطين اعتباراً من الثامن من أكتوبر(تشرين الأول) 2023 على الأقل"، وبيّن أن الجرائم تشمل الآتي:
ـ تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب باعتباره جريمة حرب. ـ تعمّد إحداث معاناة شديدة، أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة.
ــ تعمَّد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين.
ــ الإبادة أو القتل العمد.
ــ الاضطهاد باعتباره جريمة ضد الإنسانية
ــ أفعال أخرى غير إنسانية
وفي المقابل، قال كريم خان إن "هناك أسباباً معقولة للاعتقاد أن كلاً من يحيى السنوار، ومحمد الضيف، وإسماعيل هنية، مسؤولون عن ارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية في إسرائيل".
إذن، نحن أمام طلب اعتقال لقادة الحرب من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، في محاولة لتطبيق القانون على الجميع، الأمر الذي لم يقبلا به، فقد ذهب الطرف الإسرائيلي إلى اعتباره معاداة للسامية، في حين اعتبره الجانب الفلسطيني مساواة بين الضحية والجلاد.
السؤال هنا: هل طلب المدعي العام كريم خان، وهو قرار الجنائية الدولية، في حال تنفيذه، سيؤدي إلى توقيف الحرب؟
طلب خان هو اجراء قانوني بحت يؤدي إلى اعتقال متهمين في حال سفرهم إلى 124دولة (الدول المشاركة في الجنائية الدولية)، أي أنه لا يتعدى مسألة تقييد الحركة، لكنه يحمّل الدولة المعنية تبعات سلبية لمواقف قادتها، على النحو الذي رأيناه سابقاً في ليبيا، والسودان، ونراه هذه الأيام تجاه روسيا الاتحادية بعد حربها في أوكرانيا.
من ناحية أخرى، التعويل على حل عاجل من خلال قرار الاعتقال، الذي ستصدره المحكمة الجنائية في حال تم ذلك، أمر غير وارد البتة، لكنه يمارس ضغطاً قد يُسْهم في الوصول إلى حل جزئي أو كلي، وسيرتبط بالضرورة بالإجراءات القانونية من جهة، وبالإطار الزمني لطلب الاعتقال من جهة ثانية.
بالنسبة للإجراءات القانونية، فإن طلب المدعي العام كريم خان سيتوجه إلى الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية، والتي من المتوقع أن تتألف من ثلاثة قضاة، أما الجانب الزمني، فإنه لا توجد مهلة يتعين عليهم أن يحسموا أمرهم قبل انقضائها في مسألة إصدار أوامر الاعتقال، وقياساً على قضايا سابقة استغرق الأمر ما بين شهر وبضعة أشهر.
يبقى أنه باستطاعة القضاة تعديل طلبات أوامر الاعتقال والموافقة على أجزاء فقط مما يطلبه المدعي العام، ويمكن أيضاً تعديل الاتهامات وتحديثها لاحقاً.
وهذا الأمر قد تعوّل عليه الأطراف المؤيدة لإسرائيل، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تروج هذه الأيام عن طريق وزير خارجيتها أنتوني بلينكن لفكرة مفادها: أن قرار الجنائية الدولية عطل الجهود الأمريكية عبر الوسطاء، حيث قال إن "اتفاق الهدنة بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة لا يزال ممكناً، لكن طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات لتوقيف قادة من اسرائيل يعقّد هذه الجهود"، ما يعني أن إجابة سؤال الحرب لا تزال بعيدة، وما سيتم تحقيقه قد يكون بعضاً منها فقط.. ربما سينتهي في المستقبل المنظور إلى حل ظاهره السلام، وباطنه الحرب بأشكال أخرى جديدة.