السبت 22 يونيو 2024 / 18:51

نود لهم الخير

يصل الكتاب الرسمي من وزارة المعارف المصرية إلى وزير التربية السوداني، وبدوره يقوم الوزير بإبلاغ مدرس في إحدى القرى السودانية يدعى الهادي آدم، بأن هناك استدعاء رسمياً له، وعليه السفر إلى القاهرة لمقابلة أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، والسبب هو أن سيدة الغناء العربي اختارت قصيدة من ديوانه "كوخ الأشواق" الذي نشره قبل سنوات ونسى أمره، لتغنيها، جاء ذلك بعد الإعلان عن حفلة أم كلثوم التي ستحييها في السودان في 1968.
اليوم ننظر إلى عقد الجواهر من أغاني أم كلثوم ونرى رائعة "أغداً ألقاك" التي كتبها الهادي آدم ولحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب، أغنية لا يضيف إليها الزمن إلا مزيداً من الجمال. والشيء بالشيء يذكر، فأغنية "أغداً القاك" هي الأغنية التي استهلت بها أم كلثوم حفلها في أبوظبي في 1971 وقبل أيام من إعلان قيام الاتحاد.
مع قيام الاتحاد، جاء السودانيون إلى جميع إمارات الدولة في مرحلة التأسيس، جاءوا أساتذة جامعيين وقضاة وأطباء ومدرسين، ومن المعروف أن مدراء أكبر بلديات الدولة في تلك الفترة كانوا مهندسين سودانيين، ولا تكاد تخلو مؤسسة حكومية وكبرى الشركات من مستشار قانوني سوداني.
ليس عشرات بل مئات الألوف من السودانيين يعرفون دولة الإمارات حق المعرفة، لأنهم يعيشون بيننا منذ عقود، ويدركون حب أهل الإمارات للشعب السوداني.
ومن المعروف أن العلاقات السياسية بين الإمارات والسودان قد تراجعت بعد وصول تيار الإخوان المسلمين إلى الحكم مع عهد البشير، ولكن واجباتنا الإنسانية والأخوية تجاه السودان لم تتغير، وهذا الدعم الإماراتي الأخير لصندوق الأمم المتحدة لإغاثة السودان والبالغ 70مليون دولار نابع من إيماننا بأن هذا الشعب المضطهد يستحق أن يعيش حياة كريمة تليق به وبقيم المجتمع السوداني المسالم، فنحن نود لهم الخير، أما إجمالي المساعدات الإماراتية للسودان خلال العشر سنوات الماضية فقد بلغت 3.5 مليار دولار.
إن موقف دولة الإمارات من الحرب في السودان كان جلياً في كلمة السفير محمد عيسى أبو شهاب مندوب دولة الإمارات الدائم في الأمم المتحدة، حين قال: "علينا إنقاذ الشعب السوداني من الكارثة الإنسانية والمجاعة القائمة من خلال وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها، ثم الذهاب إلى المفاوضات وإيقاف الحرب والشروع في عملية سياسية وتوقيع اتفاق يفضي إلى حكومة مدنية انتقالية".
لن تقبل حكومة إخوانية هذا الطرح، لا من الإمارات أو غيرها من الدول التي تسعى لإنهاء هذه المأساة الإنسانية التي نراها يومياً أمام أعيننا، ولذلك تخلفت حكومة البرهان عن الذهاب إلى جدة عدة مرات لكي لا تلتزم أمام المملكة العربية السعودية والعالم باتخاذ خطوات محددة لإنهاء هذا الصراع العبثي.
الفكر الاخواني مبني على تشويه كل جميل، فكر ظلامي لا يعيش تحت ضوء الشمس، وعندما غنت أم كلثوم في السودان هاجمها الإخوان لأنها من منظورهم تعتبر أحد الموانع لتمرير مشاريع "دولة الخلافة" المبنية على فكر بائس تلاشى منذ قرون، وإذا كانت أم كلثوم تعتبر سبباً في تردي الأوضاع المجتمعية كما يدعون، فمن يا ترى هو سبب الترقي !
وما الحياة لولا فسحة الامل، وفسحة الامل هذه عبر عنها الهادي آدم بصوت أم كلثوم :
وغداً تأتلق الجنة أنهاراً وظلاً
وغداً ننسى فلا نأسى على ماض تولى.
حتى وان لم يكن الحاضر حلواً، فبإذن الله القادم أحلى.