السبت 31 مايو 2014 / 01:02

معضلة السيسي


الإقبال على الانتخابات الرئاسية في مصر لم يكن ضعيفاً، بالنظر إلى طبيعة تلك الانتخابات وطبيعة المنافسة فيها. لو أجريت هذه الانتخابات في أعرق الدول ديمقراطية لما زاد الحضور عن هذه النسبة. إنما الإقبال كان أضعف من رغبة السيسي المعلنة. وهذه هي النقطة، والدرس، الذي يستفيد الجميع إن فهموه.

القوى السياسية المدنية وقعت في نفس الخطأ من قبل، اختبار نفسها بالدعوة إلى حشد أكبر من قدرتها التنظيمية والميدانية. والإخوان المسلمون تعمدوا أن يلقنوها درساً من حين إلى آخر لكي تبدو من غيرهم هزيلة غير قادرة على الحشد لملء ميدان. والرسالة وصلت. ودارت القوى المدنية في فلك الإخوان المسلمين بحساب الأمر الواقع.

بخروج الإخوان المسلمين من اللعبة السياسية حالياً لم يتبق قادر على الحشد الضخم سوى ماكينة الحزب الوطني القديم. وقد أعطى السيسي القائمين عليها الفرصة لكي يقولوا له بالفم المليان: "طلبك عندنا، سيبنا كده نفكر ننزل ولا لأ". وعلقوا القرار حتى اضطروا اللجنة العليا للانتخابات إلى التمديد يوما ثالثا، في إعلان علني بالارتباك والحاجة إلى مساعدة "صديق".

طيب. وما قيمة هذا الكلام بعد الانتصار الساحق الذي حققه السيسي؟

لقد كانت تلك بداية المعركة على الحكومة، فرصة أخيرة لشد الحبال استعدادا لانتخابات البرلمان، الاستحقاق القادم في السياسة المصرية. وهنا الاختبار القادم للسيسي. في الحقيقة اختبار تعرض له مرات منذ التحضير للخروج الكبير في ٣٠ يونيو العام الماضي، لكنه يتكرر هذه المرة في ظل ظرف جديد هو وجود السيسي في قمة هرم السلطة رسميا. وسيكون عليه أن يتخذ قرارات صعبة تحدد اتجاه سير الحكم. لا مجال لكثير من التسويف، والاكتفاء بالمراقبة.

لا يستطيع حاكم مصري في الوقت الحالي أن يقيم علاقة مباشرة مع الشعب، تتجاوز الماكينات السياسية. كل من حاول هذا بعد النكسة فشل، حتى بطل النكسة نفسه، جمال عبد الناصر. أنور السادات حين فقد تأييد رجال ناصر تحول إلى الإسلامجية بينما كان مشغولاً ببناء ماكينته الخاصة وتطويرها لكي تواكب اتجاه سياساته. مبارك جمع إلى جانب ولاء المؤسسة العسكرية وجهاز أمني ضخم توليفةً من أصحاب المصالح والعائلات ورجال الدين داخل الحزب الوطني. وهو نفس الماكينة التي جمعها السادات ولم يسعفه الوقت للاستفادة منها إلى الحد الذي فعله مبارك طوال ثلاثين سنة.

السيسي - والمؤسسة العسكرية - هنا يتنازعه الهوى السياسي. من ناحية يريد أن يربط نفسه بـ ٢٥ يناير التي أحرقت مقار الحزب الوطني. على الأقل لأنها مصدر "الشرعية" لسلطة ما بعد تنحي مبارك. والتشكيلة التي استدعيت لكي تتولى أمر البلد عقب عزل محمد مرسي كان أبرز وجوهها البرادعي وغيره من رموز القوى الينايرية. والسيسي حتى الآن يمدح ٢٥ يناير، ويعلن التزاما بمبادئها العريضة.

لكن في هذا مشكلتين، أولاهما أن هذه القوى الينايرية - بطبيعتها وخطابها الذي ألزمت نفسها به - معارضة لرئيس قادم من المؤسسة العسكرية. كما أنها لم تعد تتمتع بتأثير شعبي كبير كما كان الحال بعد ٢٥ يناير ٢٠١١، وأولوياتها السياسية لم تعد تعبر عن أولويات الشارع. وكل هذا وضح بشدة بعد ٣٠ يونيو بثلاثة أيام، ثم انفجر بعد فض اعتصام رابعة بعد ذلك بستة أسابيع. حتى المؤيد للسيسي منها يفعل ذلك على مستوى النخبة، بينما تبقى رأس الحربة "الإعلامية" الشبابية مترددة. وهذا يقودنا إلى المشكلة الثانية، الخيار الثاني أمام السيسي.

القوى التقليدية - الحزب الوطني السابق - أثبتت للسيسي في ٣٠ يونيو، ثم في فض اعتصام رابعة، بأنها قوى مهمة له، ويمكنه أن يعتمد عليها في حربه ضد الإخوان، وفي سعيه إلى تحجيم “الضغوط الاحتجاجية” عن طريق قانون تنظيم التظاهر.

لكنه إن ارتبط بها علانية فقد تأييد قطاع لا بأس به من الطبقة الوسطى، الدولتية، ولكن المتطلعة إلى دولة عصرية، ما يمكن وصفه بحزب الكنبة الديمقراطي. كما أن بعض الرموز الإعلامية لهذه القوى التقليدية تسحب من "الخطاب الأخلاقي" الذي يقدمه السيسي عن نفسه، والذي يريد أن يمايز به بين عهده وعهد مبارك.

كيف يحسم السيسي أمره في المرحلة المقبلة؟ إلى من يتقرب وعن من ينأى؟ هل يختار القوى القادرة على "الشحن" ليأمن شرها أم القوى القادرة على "الحشد" والتمويل ليستفيد منها؟ أم يحاول أن يشكل خليطا من الطرفين على أسس جديدة، وعلى مبادئ دولة جديدة، فينجح في ما فشل فيه تحالف ٣٠ يونيو المؤقت، مستفيدا هذه المرة من موقعه الجديد في السلطة، ومن الشكل الحالي للخريطة السياسية؟